مقالات

دماء منسية…الحرب فى السودان فى ظل التعتيم الإعلامي 

كتبت: أسماء أشرف 

تكمن وظيفة الإعلام الأساسية فى كشف الحقائق والإخبار عنها، ويعد الإعلام هو العنصر الأساسي للمعرفة الذى إن غُيب أو تم تعتيمه قصدًا؛ تصبح الحقائق باهتة غير مرئية وكأنها شمس حجبها غبار كثيف حتى طمسها تمامًا.

وكذلك الوضع أيضًا فى السودان…بلدنا الشقيق الذى يعاني منذ عام وخمسة أشهر ولازالت معاناته مستمرة للآن، وبالرغم من طول مدة معاناته وقساوة ما يعانيه، إلا إنه فى ظل تعتيم إعلامي ومحاولات دؤوبة ومستمرة لوأد الحقيقة فى مهدها الأول، لا يصلنا من أخبارهم إلا أقل القليل مقارنةً بما يحدث بهم.

ومن هنا، ولمحاولة لكسر القيود الخانقة المفروضة قسرًا على كل ما هو سوداني، وجب علينا إزالة الغشاوة عن ما يخصهم؛ لئلا تكون دماءهم دماءً منسية.

 

الوضع فى السودان

 

قتل، اغتصاب، تجويع، استيطان للأوبئة، نزوح وتهجير…كل هذا وأكثر ما هى إلا أحداث مستمرة لمدنيين عزل يعانون جميع الويلات ويتجرعون شتى طرق التنكيل والتعذيب وأبشعها منذ قرابة العام ونصف.

فى السودان يُجبر الأطفال على قتل بعضهم بعضًا، ويُجبر أرباب العائلات على دفن ذويهم أحياء والوقوف دون حراك لمشاهدة نساءهم تُغتصب، بل والأدهى من ذلك أن تجبر الميليشيات المسلحة أم على طهى أطعمةً لهم وهم يتناوبون على اغتصاب بناتها، والتى لم تتجاوز أكبرهم عامها التاسع عشر، -وذلك ما يتم وصفه من شهادات ممن عايشوا الأحداث-.

ووصفًا لحالات القتل العشوائي للمدنيين التى ترتكبها قوات الدعم السريع، والتى بلغ عددها حوالى 150 ألفًا منذ بداية الحرب:

فى يونيو 2023، أفاد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة العثور على مقبرة جماعية فى دارفور بها 87 شخص مدني تم إعدامهم ميدانيًا دون محاكمة، وفى تقرير صادر عن CNN الأمريكية لشهر أغسطس للعام 2023، مفاده العثور على 30 مقبرة جماعية بدارفور بهم أكثر من 1000 إنسان، وبحسب ما نقلته هيومان رايتس أنه فى نوفمبر 2023 قامت قوات الدعم السريع بقتل 800 شخص فى دارفور وإعدامهم ميدانيًا دون محاكمة، بالإضافة لما ترتكبه العصابات المسلحة من جرائم وانتهاكات ضد الإنسانية ترتقي لتصبح جرائم حرب، والتى من ضمنها الهجمات على المستشفيات والمدارس وتدمير البُنَى التحتية والمرافق الحيوية؛ مما يتسبب فى توقف المستشفيات ومختلف المنشآت الصحية والحيوية عن الخدمة وبالتالى العجز عن توفير الرعاية للأشخاص المتضررين، بالإضافة إلى ذلك قتل عمال الإغاثة الإنسانية والذين وصل عددهم فى أبريل من العام الماضي ل 22 قتيل و33 مصاب، وأيضًا الإستيلاء على المنشآت العامة؛ كتحويل السوق المركزي لمركز لبيع الأسلحة والمخدرات.

 

وبالتطرق للحديث عن حالات الاغتصاب فى السودان فى ظل الحرب؛ فسنجد أنه حتى شهر يونيو من العام 2023 تم تسجيل 5100 حالة اغتصاب.

ولصعوبة الأوضاع وخوف معظم الضحايا من بطش العصابات المسلحة ورفضهن الحديث خوفًا من “وصمات العار” التى ستلاحقهم حتى بعد إنتهاء الحرب؛ لذلك يصعب الحصول على عدد محدد ودقيق لضحايا الاغتصاب فى السودان، إلا إنه نقلًا عن “محمد الأمين المجتبي” الممثل لصندوق الأمم المتحدة للسكان فى السودان: إنه “تتعرض حوالى سبعة ملايين امرأة وفتاة فى السودان لخطر العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي”.

 

وبالانتقال للوضع الغذائي فى السودان؛ فسنجد أن “سلة غذاء العالم” أصبحت تعاني من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويهدد الجوع أكثر من نصف سكانها، أى حوالى 26 مليون شخص.

كل هؤلاء تحت وطأة الحرب مضطرين يوميًا لمعايشة ألم آخر يضاف لآلامهم المتعددة؛ فيضطرون فى غالب الوقت للتغذي على أوراق الأشجار أو حتى أتربة الأرض والتى يصنعون لأجلها حفرًا بعمق الأرض ليلتقطوا بعض الأتربة من جوفها حتى يسدوا بها جوعهم الصارخ منذ قرابة العام ونصف.

ويوجد أيضًا الكثيرين ممن لا يحالفهم الحظ لسد جوعهم الصارخ؛ فيموتون إثر ذلك جوعًا؛ حيث إنه وفقًا لتقديرات منظمة أطباء بلا حدود إنه فى مخيم زمزم للنازحين شمال دارفور، يموت طفلًا واحدًا فى المتوسط كل ساعتين جراء الجوع الشديد، وبحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة ووزارة الصحة السودانية، أن حوالى 2.9 مليون طفل فى السودان يعانون من سوء التغذية الحاد، وعلى لسان الباحثة فى معهد كلينجينديل “آنيت هوفمان”: “إن الحرب تسببت فى أكبر أزمة جوع فى العالم…من المرجح أن تحدث مجاعة لم نشهدها منذ عقود”.

تعرف أيضا علي: طوفان الجوع في غزة

وتنقلنا المجاعة وانعدام الأمن الغذائي إلى استيطان الأوبئة وتفشي الأمراض؛ حيث أعلنت السلطات الصحية فى السودان عن وفاة 22 شخصًا وإصابة أكثر من 300 آخرين بوباء الكوليرا إثر تفشيه فى الأسابيع الأخيرة من شهر أغسطس، وبحسب ما نُقل عن وزارة الصحة السودانية إنه تم تأكيد إصابة 119 حالة بالكوليرا فى ولاية كسلا، بالإضافة لتفشي الأمراض المنقولة بالمياه وتزايد حالات الإصابة بها؛ كالملاريا والإسهال المائي الحاد، بالإضافة أيضًا لالتهابات الجهاز التنفسي الحاد وانتشار حالات الحصبة.

 

كل هذا يدفعنا لنرى من لجأوا للنزوح هربًا من كل المعاناة القائمة؛ فنجد أن حالات النزوح فى السودان منذ بدء الحرب تجاوزت 10 ملايين حالة نزوح داخلي، بالإضافة لنزوح حوالي مليوني شخص لدول مجاورة، آملين فى ذلك أن يُعيلوا عائلاتهم بداخل الحرب الضارية، وأن يكونوا صوتًا لبلدهم المنكوب وضمادًا لجراحها الغائرة.

تابعنا أيضًا على: 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock