كتبت: أسماء أشرف
يقول الفيلسوف الفرنسي “برونو لاتور” فى كتابه “أين نرسو”
“لقد انتشرت أزمة المهاجرين، هنالك المهاجرين القادمون من الخارج الذين يجتازون الحدود ويتعرضون لمآسي فظيعة وهم يغادرون أوطانهم. يجب من الأن فصاعدًا أن نضيف إلى هؤلاء مهاجري الداخل الذين يتعرضون -وهم فى أرضهم- إلى مأساة الشعور بأن بلدهم يتركهم ويغادرهم. ما يجعل أزمة المهاجرين عصية على الفهم هو أنها مجرد عارض من الأعراض المؤلمة إلى هذا الحد أو ذاك، لمحنة يعاني منها الجميع..محنة الحرمان من الأرض”.
ومن هنا ننطلق بتساؤل مُلح..هل الغربة هى مجرد مفارقة الأشخاص للوطن..أم ما يحدث هو العكس من ذلك؟
فى البداية علينا تعريف الغربة..أو بالأحرى كيف يمكن للأوطان أن تغترب؟
أن تغادرنا الأماكن والأوطان بينما نحن عالقون بها..هذا بالضبط ما يحدث فيما يطلق عليه اغتراب الأوطان.
فالغربة فى أغلب الأحيان تعنى المغادرة والبعد والحرمان من الأرض، وهى مزيج من مشاعر التخبط والضياع، وإدراك أن جميع ما يحاوطك من أشياء وأفعال بل وحتى الأشخاص..أن كل الأشياء من حولك لا تتماشى مع ما عشته طوال حياتك؛ فمن ثم تشعر بأنك هنا غريب وأن هذه الأماكن لا تناسبك ولا تنتمى إليك…
هذا هو الشعور بالغربة الذى يعيشه كل من تغرب عن الوطن أو حتى من تركتهم أوطانهم بكل ما اعتادوا عليه منها.
ومن هنا يمكن تقسيم الغربة إلى:
– غربة خارجية:
وهذه الغربة تتمثل فى مغادرة الأشخاص للوطن وتركه، ويطلق على أصحابها مهاجرى الخارج، الذين تدفعهم الكثير من الأسباب لترك الوطن والمغادرة، وهذا النوع من الغربة قد يكون الأقل صعوبة من غيره؛ لأن أصحابه هم من اختاروا المغادرة والرحيل، حتى وإن كان اختيارهم هذا قسريًا وليس نابع من إرادتهم الكلية.
– غربة داخلية:
وهذا النوع هو الأصعب على الإطلاق؛ حيث إن أصحابه بالرغم من كل المصاعب التى تواجههم فى أوطانهم، يقرروا التشبث بها وعدم تركها، ولكن يأبى الوطن تشبثهم هذا فيقرر هو أن يتركهم ويغير من كل شيء قد ينمى شعور الإنتماء بداخلهم إليه، فى هذه الغربة يعيش الأشخاص داخل أوطانهم وبالرغم من ذلك تهاجمهم مشاعر الغربة حيث أن الوطن لم يعد وطنًا.
تعرف أيضًا على: للاحتلال أوجه عدة
ومن هنا يجب علينا معرفة ما الذى يؤدى إلى اغتراب الأوطان؟
إن من أهم الأسباب التى تجعلنا نشعر بأن الأوطان تركتنا وأرتحلت بينما نحن مازلنا متواجدين بها..هو الاحتلال..
والاحتلال هنا ليس مجرد احتلالًا عسكريًا للأرض، ولكن الاحتلال هنا يتمثل فى أن تكون أراضيك حرة بينما أنت من تريد أن تصبح محتلًا؛ فيأتى احتلالك سياسيًا واقتصاديًا بل وحتى فكريًا؛ فيترتب على هذا أن يشعر أفرادك -أنت الوطن- بالغربة بينما هم لم يغادروا شرفة منزلهم التى يشاهدون من خلالها سرعة بلادهم فى التغير وتبديل ثيابها لتصبح غريبة عنهم، وكأنها حرباء تتلون..!