كتبت: أسماء أشرف
فى اليوم السادس والخمسين بعد المائتين من الحرب على غزة..ما زالت شلالات الدماء متدفقة تزداد يومًا بعد يوم ولا تنقضي بانقضاء الشهور والأيام…لا تنقضي بانقضاء المناسبات..المناسبات التى أضحت غارقة بالدماء؛ فاليوم فى غزة يُضحى بالبشر وتسيل دمائهم وكأنهم قطعان من الماشية وليسوا بشرًا..
منذ ما يقرب من التسعة أشهر والحرب قائمة على أشدها فى قطاع غزة، مر خلال هذه الأشهر العديد والعديد من المناسبات التى من المفترض أن تكون أيام لإضفاء البهجة والسرور بدلًا من الدماء؛ ففى خلال أشهر الحرب القائمة جاء شهر رمضان المبارك وكان كل الأمل أن يتم التوصل لاتفاق هدنة، ولكن لم يحدث..لم تحدث الهدنة حتى لإنقاذ مليونى إنسان صاموا قبل مجيء شهر الصوم بشهور عدة، وانقضى رمضان وجاء العيد وزاد معه الأمل فى إيقاف الحرب حتى يتثنى لطفلٍ لم يعرف معنى العيد أن يراه أمام ناظريه، -ومثله كل أطفال غزة..بل كل من فى غزة-، ولكن أيضًا لم تتوقف الحرب ولم تحدث الهدنة، وانقضت الأيام وتوالت حتى جاء عيد الأضحى وكان الأمل الأكبر أن تُسمع تكبيرات النصر قبل تكبيرات العيد، ولكن أيضًا لم يحدث.
ومع كل أمل منقضى كانت تزداد بشاعة الحرب ووحشية الاحتلال، وتزداد معه أحلام تنتهى وأجساد تُوارى بالتراب؛ حتى تصل اليوم ل 37372 شهيد، 85452 مصاب.
ليتجلى التساؤل هنا…أى المناسبات جديرة بالاحتفال وكلها غارقة بالدماء؟!
خلال هذه الحرب، أتى شهر رمضان واستقبله جموع العالم بالاحتفالات والتجهيزات المختلفة؛ فيوجد من استعد له بتعليق الزينة بالشوارع ونشر البهجة والسرور بالأجواء، ويوجد من استعد له بتجهيز نفسه روحيًا ودينيًا، واختلفت التجهيزات من شخص لآخر ومن مدينة لأخرى، ولكن فى ذاك التوقيت من العام اختلف الوضع كثيرًا فى غزة؛ فكانت شوارعها تمتلئ بجثامين الشهداء بدلًا من الزينة، ويُسمع بالأجواء أصوات لقلوب مكلومة فقدت أحبائها..تُسمع أصوات النحيب مختلطة بأصوات القصف وطنين الطائرات وجنازير الدبابات..تسمع كل هذه الأصوات بدلًا من أصوات الاحتفالات.
وانقضى شهر رمضان بعد محاولات مضنية من العائلات -تحت القصف- أن يجدوا ما يسدوا به جوعهم ويسكتوا أنين أمعائهم فى ظل انتشار مجاعة قاتلة بالقطاع، ولم تنتهى المعاناة هنا؛ فجاء عيد الفطر، ولكن على أى شيء يفطرون؟
وبماذا يودعون شهر الصوم؟!
يفطرون على مشاعر القهر والخذلان، ويودعونه بتوديع أحبائهم.
وبعد انقضاء شهر رمضان وعيد الفطر، مرت الأيام تتوالى ببطئ، حتى جاء موسم الحج ومعه عيد الأضحى، ولكن ككل الأيام المنقضية لم تشفع حرمانية هذه الأشهر وتلك المناسبات المباركة فى إيقاف شلالات الدماء؛ ففى عيد الأضحى نظر المحتل لكل من فى غزة على إنهم أضحيات توجب عليه نحرها، وأقنع العالم المتخاذل بذلك، وأكمل ما بدأه منذ ثمانية أشهر..لا بل أكمل ما بدأه منذ ست وسبعين عامًا.
والعالم ما زال تتوالى به الاحتفالات، وتبقى غزة بركن قصى تُغتصب وتُقتل، ولا يسمح لها حتى بمجرد الصراخ..!
تعرف أيضًا على: معاناة العيش فى غزة
فنرى هنا أن المعاناة الحقيقة تتمثل فى الخذلان…تتمثل فى أن تجلس ناظرًا نحو السماء تنتظر العون من إخوانك -الذين من المفترض أن يكونوا كذلك- وبينما أنت تنتظر، تسقط فوقك مظلة يقال إنها للمساعدات، ولكنها على العكس من ذلك بدلًا من أن تساعدك..ترديك قتيلًا..!