كتبت: ياسمين سمير
أتعرفون ما أجمل شيء فى الحياة؟
هو وجود لغة نعتز بها؛ فاللغة العربية جعلتنا ما نحن عليه بكل صفاتنا وردود أفعالنا تصرفاتنا والطيبة التى يتميز بها العرب؛ فاللغة ما هى إلا تجسيد لشعبها.
هل يمكن للغة السيطرة على حياتنا؟
قبل أن أجيب على هذا السؤال يجب التحدث أولًا عن النسبية اللغوية فهي مرتبطة إرتباطًا وثيقًا بهذا السؤال، إن النسبية اللغوية التى تعرف أيضًا بنظرية “سابير-وورف” تقول أن اللغة التى نتحدث بها تؤثر على تفكيرنا ونظرنا للأشياء فعلى سبيل المثال قد ينظر العربي إلى الإحباط على أنه شيء سيء ويقتل الطموح، وقد ينظر الإنجليزي إليه على أنه شيء جيد فيعتقد أن هذه هى الخطوة الأولى للنجاح وهذا ما سيزيد من عزيمته؛ فيرجع هذا الإختلاف إلى إختلاف اللغات وثقافتها، وقد كان أول من تكلم عن هذا هو الفيلسوف الألماني “همبولت” ثم يليه الباحثان “سابير” و”وورف”، وقد تأثر “وورف” تأثرًا كبيرًا بفكرة همبولت وأقتبس هذه النظرية منه، فقد أتفق كلاهما على أن اللغة تؤثر على متحدثيها فى جميع جوانب الحياة.
علام أعتمد وورف فى بناء هذه النظرية؟
قام بالعديد من الأبحاث وكان من أهمها: البحث الذى أجراه على شعب الهوبي فلغتهم قد أختلفت عن لغتهم الأم(الإنجليزية)؛ مما جعلهم يصنفوا الطائرات والحشرات فى نفس الفئة، وهذا معارض لما هو موجود فى بلدهم الأم فهناك يتم تصنيف الطائرات فى فئة المحركات وليست الحشرات وهذا الذى لم تفعله الهوبي؛ فيرجع ذلك لتأثير اللغة على نظرتهم للبيئة.
ما هو رد فعل الناس على كلام وورف؟
وكما نعرف كغيرها من النظريات فقد ظهر لها مؤيدون ومعارضون وما زاد من هذا النزاع هو عدم قيام وورف بالتحدث عن النظرية من جميع الإتجاهات وبشكل مفصل؛ مما سنح بإضافة صيغ خاطئة ومنها الحتمية اللغوية إلى النظرية وإنسابها إليها؛ فقد قام ستيفن بينكر بإنتقاده من عدة جوانب وتتمثل فى:
1- عدد الكلمات لشيء معين يحدد فهم متحدثيها لهذا الشيء كما فى بلاد الإسكيمو الذين يستخدمون مفردات كثيرة للثلج؛ مما يجعل من إدراكهم للثلج يختلف عن اللغات الأخري فيعتقد “بينكر” أن التأثير هنا معكوس؛ لأن البيئة أثرت على اللغة ولم تؤثر على الفكر، قد يكون بينكر محق فقد أستخدم “وورف” هذه الصيغة كمؤشر على إختلاف الإدراك بين الإسكيمو والدول الأخرى ولكن هذه الصيغة لم تصاغ إلى نظرية “وورف” فقد تحدث “وورف” عن مدى تأثير القواعد النحوية على الفكر وليس عدد المفردات.
2- الأفكار هى اللغة أي لا يمكن للمتحدث فهم شيء غير موجود فى لغته، ولو كان هناك ثقافتان بلغتان مختلفتان فلا يمكنهما التواصل، هاتان الصيغتان تندرجان تحت الحتمية اللغوية وليست النسبية اللغوية فمن الطبيعي رفضهما.
لو لاحظنا سندرك أن “بينكر” ينتقد الصيغات الخاطئة التى تم إدراجها تحت النسبية اللغوية ولم ينتقد النسبية اللغوية بحد ذاتها، وبفضل هذه النظرية ظهر ثنائي اللغة.
هل ثنائي اللغة لديهم فصام؟
سأعرض مثالًا بسيطًا للإجابة عن هذا السؤال وهو قيام بحوث وتجارب على ثنائي اللغة الإنجليزية -اليابانية وتم عرض عليهم صور وقد طلب منهم صياغتها باللغة اليابانية، ثم بعد ستة أسابيع طلب من نفس الأشخاص وصف نفس الصور لكن بالإنجليزية وكان الوصفان مختلفان على الرغم من أنهم نفس الأشخاص فقد تفاعلوا بشكل عاطفي أكثر مع لغتهم الأم، ليس الأمر كما لو أن لديهم فصام بل أن لكل لغة تأثير خاص على متحدثيها وثنائي اللغة يتفاعل بشكل متقارب مع شعب هذه اللغة وهذا التفاعل يختلف من لغة لأخرى حتى لو كان نفس الشخص.
تعرف أيضًا على:https://ymc-news.com/?p=29871
هل تعلم لغة جديدة أمر جيد؟
ليس جيدًا فحسب بل رائع؛ فعندما تتعلم لغة جديدة تستطيع الإستفادة من ثقافتها وتجعل من عقلك أكثر مرونة وأكثر تميزًا؛ فهناك شعب الكوك الموجودة فى أستراليا الذين يتبعون الإتجاهات الأربعة فى العديد من الأمور منها إلقاء التحية فيقومون بتحديد وجهتهم قبل إلقاء التحية مما أكسبهم إمكانيات تحديد الإتجاهات بدقة كالبوصلة على عكس الدول التى تستخدم نظام ثنائي الإتجاه فقد يفتقرون لهذه الميزة.
يجب على الجميع معرفة أنه لا يمكن للغة أو ثقافتها السيطرة على عقول الآخرين بشكل مطلق؛ فقد يكون لها تأثير ولكنه محدود ونسبي فهناك أشياء غير اللغة تؤثر على فكرنا، فتجمع مجموعة من العوامل قد يسيطر على الفكر وليس عاملًا واحدًا كاللغة، ولكن فى النهاية تعلم لغة جديدة لهو أمر رائع ويزيد من قدراتك الإدراكية والفكرية؛ فعقلية من يمتلك لغة واحدة ليست كعقلية من يمتلك لغتان أو أكثر.
تابعنا أيضًا على: https://www.facebook.com/Youth.media.cardes?mibextid=ZbWKwL