كتبت: ميرفت مصطفى
تُعد صناعة الموضة واحدة من أكبر الصناعات وأكثرها تأثيرًا في العالم، حيث تشكل عاملًا رئيسيًا في الاقتصاد العالمي وتلعب دورًا هامًا في حياتنا اليومية.
ومع ذلك، فإن هذا القطاع يحمل في طياته تحديات بيئية جسيمة تستدعي تسليط الضوء عليها.
التأثير البيئي لصناعة الموضة
1. استهلاك الموارد الطبيعية:
تعتمد صناعة الملابس بشكل كبير وأساسي على الموارد الطبيعية، مثل الطاقة والمياه.
انتاج القطن، على سبيل المثال، يتطلب كميات هائلة من المياه، حيث تشير التقديرات إلى أن إنتاج قميص واحد فقط قد يستهلك حوالي 2700 لتر من الماء.
2. التلوث الناتج عن العمليات الصناعية:
عمليات الصباغة ومعالجة الأقمشة تُعد من أكثر المراحل تلويثًا، حيث يتم تصريف كميات كبيرة من المواد الكيميائية السامة في المياه، مما يؤدي إلى تلوث الأنهار والمحيطات.
3. الانبعاثات الكربونية:
النقل والشحن في صناعة الموضة يسهمان بشكل كبير في انبعاثات الغازات الدفيئة، خاصة مع اعتماد العلامات التجارية على الانتاج في دول بعيدة لتحقيق تكاليف أقل.
4. النفايات الضخمة:
الأزياء السريعة (Fast Fashion) تشجع على شراء الملابس واستهلاكها بسرعة، مما يؤدي إلى تراكم كميات كبيرة من النفايات التي غالبًا ما تُدفن أو تُحرق، مما يزيد من التلوث.
إحصائيات عن صناعة الموضة وتأثيرها البيئي:
– صناعة الأزياء هي ثاني أكبر ملوث بيئي بعد صناعة النفط.
– ينتج سنويًا عن صناعة الأزياء أكثر من 92 مليون طن من النفايات.
– تُساهم صناعة الملابس بنسبة تصل إلى 10% من انبعاثات الكربون العالمية، أي أكثر من الانبعاثات الناتجة عن النقل الجوي والبحري مجتمعين.
– يتم التخلص من حوالي 85% من الملابس التي يتم انتاجها عالميًا كل عام في مدافن النفايات.
الموضة السريعة (Fast Fashion) ومشاكلها
– تعتمد الموضة السريعة على انتاج كميات كبيرة من الملابس الرخيصة في وقت قصير.
– تشجع هذه الصناعة على شراء المزيد من الملابس بسبب الأسعار المنخفضة، مما يزيد من استهلاك الموارد وزيادة النفايات.
– بسبب الجودة المنخفضة، لا تدوم هذه الملابس طويلًا، مما يدفع المستهلكين لاستبدالها بشكل متكرر.
تعرف أيضا علي…البيئة والاستثمار علاقة ترابط وثيقة
المواد المستخدمة وتأثيرها
– الألياف الصناعية (مثل البوليستر):
يتم انتاجها من البترول، وتستغرق مئات السنين لتتحلل، كما تطلق أليافًا دقيقة عند غسلها تلوث المياه.
القطن التقليدي:
بالرغم من كونه مادة طبيعية، إلا أن زراعته تستخدم حوالي 25% من المبيدات الكيميائية عالميًا، بالإضافة إلى استهلاك كميات هائلة من المياه.
الجانب الاجتماعي
لا يقتصر التأثير السلبي على البيئة فقط، بل يشمل العاملين في هذه الصناعة، حيث يعمل الملايين من العمال في ظروف غير إنسانية وبأجور منخفضة لتلبية الطلب المتزايد على الملابس الرخيصة.
ابتكارات وتقنيات للحد من الأثر البيئي
في ظل هذه التحديات، ظهر اتجاه جديد يعرف بـ “الموضة المستدامة”، والذي يهدف إلى تقليل الآثار السلبية لصناعة الملابس على البيئة من خلال:
– الأقمشة القابلة للتحلل:
تُصمم خصيصًا لتتحلل بسرعة بعد التخلص منها، مما يقلل من النفايات.
– إعادة تدوير الملابس:
ظهرت شركات تستخدم الأقمشة المستعملة لانتاج ملابس جديدة، مما يقلل من استهلاك الموارد.
– الطباعة ثلاثية الأبعاد:
تُستخدم لتصميم الملابس بطريقة تقلل من الفائض والنفايات.
دور الأزياء المستدامة
– استعمال خامات ومواد صديقة للبيئة، مثل الأقمشة المعاد تدويرها والقطن العضوي.
– تقليل الهدر عن طريق تصميم ملابس تدوم لفترة أطول.
– تشجيع إعادة التدوير والشراء الواعي للملابس.
قصص نجاح من الموضة المستدامة
بعض العلامات التجارية الكبيرة مثل باتاغونيا (Patagonia) وإتش آند إم (H&M) أطلقت برامج لإعادة التدوير واستبدال الملابس القديمة بخصومات.
شركات ناشئة مثل Econyl تصنع الأقمشة من النفايات البلاستيكية المستخرجة من المحيطات.
حلول فردية للمستهلكين
– شراء الملابس المستعملة:
يقلل من الطلب على الملابس الجديدة ويطيل عمر الملابس الموجودة.
– إصلاح الملابس:
بدلًا من التخلص منها، يمكن إصلاح الملابس التالفة أو تعديلها.
– اختيار الجودة على الكمية:
شراء ملابس بجودة عالية يجعلها تدوم فترة أطول.
كيف يمكننا المساهمة؟
1. التقليل من الاستهلاك المفرط:
بدلاً من شراء الملابس بشكل عشوائي، يمكننا الاستثمار في قطع ذات جودة عالية تدوم طويلاً.
2. دعم العلامات التجارية المستدامة:
اختيار الملابس من الشركات التي تلتزم بممارسات صديقة للبيئة يساعد على تشجيع هذا الاتجاه.
3. إعادة الاستخدام والتبرع:
إعادة استخدام الملابس أو التبرع بها يقلل من كمية النفايات ويمنحها حياة جديدة.
إن صناعة الموضة ليست مجرد تعبير عن الذوق والجمال، بل تحمل مسؤولية أخلاقية وبيئية. من خلال تعزيز الوعي بأضرارها البيئية واعتماد حلول مستدامة، يمكننا تحقيق توازن بين الاستمتاع بالأزياء والحفاظ على كوكبنا للأجيال القادمة.
