مقالات

رؤية الإعدام والتضاؤل: الرؤية التاريخية للموت فى الغرب عبر التاريخ الإنساني

كتب: مصطفى نصار

الموت العبثي ممر لعدمية الموت فى الغرب

 

فى الأدبيات الحديثة مثل أسطورة سيزيف، يخرج علينا “ألبير كامو” ليؤكد أن الموت فكرة حقيرة وقذرة، وبالتأكيد نفس الشئ ينطبق على المستوى الآخروي إن كانوا يؤمنون به.

 

فوجود حياة بعد الموت يتصل بمدى ارتباطها بمنظومة إيمانية رسائلية تفيض من نبع حكيم خبير يطمئن أن للحياة الأرضية حياة أخرى ينعم فيها المؤمن ويسعر فى نارها الكافر، فهي معادلة عادلة شاملة واضحة تغني عن التاريخ الغربي الذى أطلق رصاصة الرحمة على الحياة الآخري.

 

إن بداية هذا التاريخ بدأت بالوعد التقليدي بتحقيق الفردوس الأرضي فى الحياة عبر التقدم العلمي المادي الحريص على رفاهية الإنسان وازدهاره؛ لينتهي بنتيجة غير منضبطة، بل قل عكسية للأحلام الوردية المثالية.

 

فالنتيجة الطبيعية لتلك الأحلام تتبلور فى الموت لقيمة الإنسان كما يقول الفيلسوف الفرنسي “ميشيل فوكو” سوف ينمحي الإنسان كما يمحو الموج ذلك الوجه الجميل المرسوم على الشاطئ، ليبشرنا بعد موت الإله على يد “فريديك نيتشه” بموت الإنسان.

 

فتلك النتيجة جعلت الإنسان نفسه يتمنى البدائل التى تجعله خالدًا لعلمه اليقيني لفكرة هيبة الموت وقوته ووقوف الزمن عنده، وقدرته وفقًا ل”كامو” تنبع من الحرية الشخصية للفرد فى اختيار حياته.

 

أي أن كامو تواصل بمفرده للشق الأول من الموت كما أدركه بعد ب٦٥عام الفيلسوف الملحد “تود ماي” بقوله أن صورة الاطمئنان من الموت تتصل ب”أفعال الإنسان ليستعد لمقابلته” أي الاستعداد الأمثل له عبر العمل الصالح.

 

وتلك الرؤية الإيمانية من “كامو” و”ماي” دليل آخر على تأكيد وجزم الناقد البريطاني “دوغلاس ديفيس” أن الموت له دائمًا استعدادته الخاصة من احترام وتبجيل وتمجيد، حتى ولو بمجرد الحزن فى لحظات التعزية.

وعطفًا على الحزن يلامس الموت وغموضه القلب لإنه لحظة مجمع عليها تاريخيًا وفلسفيًا، حتى وإن ألحد الشخص.
فما فعله الغرب فقط نقل هيبة وسطوة وهالة الموت لأشياء أخرى تلهي و تشغب على رؤية المرء فلجأ للهروب الجبان كما يفعل الطفل المخطئ من أمه، أي أحلام الفردوس الأرضي ثُقبت لتصير فوهة بركان صممها وصاغها القرن التاسع عشر والعشرين؛ مما يطرح سؤالًا هامًا بحق…

 

تعرف أيضا علي…الهروب المرضي

وهو هل أتت تلك التجارب البديلة بالوعد المحقق بالخلود والنعيم الدنيوي؟!

بدائل مخفقة: هروب فاشل لنفس الشيء

يلجأ الفاشلين دائمًا لإيجاد بدائل وحجج دائمة نابعة من خوفهم أو غرورهم الذى يخدعهم بأنهم ليسوا بفشلة، وعميانهم الطاغي على القلوب ينفخ فى تلك النيران الخادعة.

 

باختصار شديد وتوضيح أكثر شمولًا، إفاقة الغرب لإيجاد حلول أدق وتحافظ على الخلود غير أنه تفاعل ضحل وسطحي مع الدين فهو اعتراف بالموت والتكليف كذلك.

 

ومن ضمن تلك المحاولات الفاشلة لجوئهم لما يسمى التبريد الهيدوجني، وهو ببساطة عبارة عن التجميد لبعض الأعضاء من الجسد أو الجسد كله ليحميه ويحافظ عليه من الفناء، ويجمد تحت درجة حرارة من صفر ل٥٠ تحت الصفر.

 

أما البديل الثاني فهو الخلود البيولوجي ويتم عند نقل دم الشباب للفئات الأكبر سنًا والأكثر احتياجًا لمنع أمراض الشيخوخة وكبر السن كالضغط وأمراض السكري، والهرمونية كالايدز والسرطانات المتعلقة بالدم والعظام.

 

فتلك البدائل والخيارات المتاحة تعبير عميق الملامح عن الإنسان السائل الذى لا ينفك عن ماهيته الرخوة الفارغة التى لا تملؤها إلا الفراغ بتعبير الفيلسوف البريطاني “سايمون بلاكبورن”.

 

ومن المثير للاهتمام ذكر القرآن الكريم صراحة تلك الحالة وأطلق عليها الطغيان الدنيوي، وهى حالة من عدم الشبع رغم الامتلاء الكلي والكامل من الرفاهيات والماديات والتقنية.

و لذلك حدد القرآن حله برؤية الله وبراهينه التامة والكلية فى النفس والآيات المرئية والمآلات؛ مما يطرح التصور القرآني للموت والحياة قيد التحقق والحدوث الفعلي.

 

الموت في الإسلام…حقيقة نهاية لبداية جديدة

 

الموت فى الإسلام صورة حقيقية لا مفر منها، فهو نهاية المطاف للحياة الدنيا وبها تكتب نهاية كتاب إنسان بحياته وذكرياته وأحلامه و ندمه بحق، على أرض الواقع تلمس شغاف القلب لما يعينه من هالة مقدسة عادلة.

 

فالخوف من العدل الإلهي الواقع من الموت أو الإقتراب منه دليل على معرفة عميقة وفكر ضروري لما فى النفس من نقائص وعيوب و آثام، أو كما يقول “الذهبي” يستعاد بالموت الحقيقي للقاء الله جل وعلا.

ورسوخ الإيمان بصفته عامل للقاء الحتمي بالله والتجهيز للسؤال يتصل ويتصور بالمركز أو نهاية طريق سكة حديد طويل بحق لينزل إما ليثبت بأحبابه أو يعكر بألظ أعدائه.

 

فلابد من التفكير الموضوعي بالموت قبل مقابلته إما فجأة أو فى معاد ينتهى ببطء لإنه ببساطة تفتيش ذاتي وتطهير للذات مما فعله المرء بشكل يومي مع عائلته وأصدقائه وزملائه فى العمل أو جيرانه، ومراعاة حق كل منهم كما يقول الشيخ “سمير مصطفى”.

 

ولهذا يتعين على المسلم اعتبار الدنيا مجرد هم زائل أو مرحلة انتقالية تنتهي بمجرد الكبر والعجز، وعدم الإغراق بالدنيا وتركها تملئ فراغك وروحك.

تابعنا أيضا علي…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock