كتبت: ضحى ثروت هلال
تواجه المجتمعات العربية العديد من التحديات في التعامل مع الاضطرابات النفسية والتي لا تزال تعتبر موضوعًا حساسًا ومحاطًا بالكثير من المحظورات والمفاهيم الخاطئة ففي كثير من الأحيان تعتبر الصحة النفسية مسألة هامشية ولا تحظى بالاهتمام اللازم من قبل الأفراد أو المؤسسات الاجتماعية والثقافية.
تبدأ المشكلة من قلة الوعي المجتمعي؛ حيث ترتبط الاضطرابات النفسية بالعار أو الضعف مما يدفع الكثيرين إلى تجنب الحديث عنها أو طلب المساعدة من المختصين.
بدلًا من السعي للعلاج الطبي أو النفسي يلجأ بعض الأفراد إلى الأساليب التقليدية مثل الرقية الشرعية أو الاعتماد على الحلول الدينية فقط، هذا النهج على الرغم من أهميته لبعض الأشخاص لا يوفر حلولا كافية أو دائمة للمشكلات النفسية؛ مما يؤدي إلى تفاقمها على المدى الطويل.
الوصمة الاجتماعية
واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه الأفراد المصابين بالاضطرابات النفسية هي الوصمة الاجتماعية التي تحيط بهذه الحالات؛ الشخص الذي يعترف بأنه يعاني من القلق أو الاكتئاب أو أي اضطراب نفسي آخر يُنظر إليه غالبًا على أنه ضعيف أو غير قادر على التكيف مع متطلبات الحياة، هذه النظرة السلبية تعزز من شعور الخجل والخوف؛ مما يدفع الكثيرين إلى المعاناة في صمت دون طلب المساعدة المناسبة.
الوصمة لا تؤثر فقط على الأفراد، بل تعرقل النقاش المجتمعي حول الصحة النفسية وتمنع الحلول الممكنة من الظهور؛ مما يجعل هذه المشكلات تتفاقم عبر الأجيال، وتؤدي إلى تزايد العبء على المنظومات الصحية والاجتماعية.
تعرف أيضا علي…اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط “ADHD”…ماهيته وأعراضه
نقص الموارد الطبية
إلى جانب الوصمة الاجتماعية يواجه المصابون بالاضطرابات النفسية تحديًا كبيرًا يتمثل في نقص الموارد الطبية والمرافق المتخصصة.
في العديد من الدول العربية لا توجد مراكز متخصصة كافية تقدم خدمات علاجية بأسعار معقولة، وغالبًا ما تتركز هذه المرافق في المدن الكبرى مما يجعل الوصول إليها أمرًا صعبًا لسكان المناطق الريفية والنائية، كما يعاني الأطباء النفسيون من نقص التقدير والدعم المجتمعي؛ مما يؤدي إلى هجرة العديد من الكفاءات الطبية للخارج بحثًا عن فرص عمل أفضل.
وهذا النقص في الموارد والخدمات يؤدي إلى زيادة الفجوة في توفير الرعاية الصحية النفسية ويؤثر سلبًا على جودة الحياة للكثيرين الذين يحتاجون إلى هذه الرعاية.
في الختام..لا يمكن التقليل من أهمية مواجهة الاضطرابات النفسية في المجتمعات العربية.
يتطلب تحسين الوضع الحالي جهدًا مشتركًا يبدأ من تغيير المفاهيم المجتمعية حول الصحة النفسية وتقديم التثقيف اللازم لتخفيف الوصمة المحيطة بها، كما ينبغي على الحكومات والمؤسسات الصحية تعزيز البنية التحتية الطبية وزيادة عدد المرافق المتخصصة في العلاج النفسي وضمان وصول هذه الخدمات للجميع.
الاهتمام بالصحة النفسية ليس رفاهية بل ضرورة لبناء مجتمعات أكثر استقرارًا وتوازنًا؛ فإدراك أهمية الصحة النفسية هو خطوة نحو تحسين جودة الحياة على مستوى الفرد والمجتمع.