مقالات

المبالغة فى العمل قد تقتلك..وضع الأسس الحقيقة للعمل الرأسمالي

كتب: مصطفى نصار

 

سعادة وطمانينة مزيفتان..حقيقة الخبرة اليوم

 

فى كتابه الشهير موت الخبرة لماذا يتباهي الناس بالجهل؟

 

يضع لنا أستاذ القانون وعالم الاجتماع فى جامعة هارفارد “توم ليكونز” أسس الفشل والجهل المدقع فى العالم الحديث وما بعده، ويتمحور حسب رأيه للعمل وتنظيماته الحديثة التى تستنفز الإنسان إلى حد يجعله متحمورًا حول ذاته. وبهذا يتحول العمل من وسيلة اكتساب رزق لوسيلة حوسلة وتجهيل وتمريض معتمد من أجل الكفاف.
وحتى “ليكونز” نفسه أكد أن تلك المنظومة منظومة خربة لا تحتل إلا النفس لتخربها وتركعها.

 

وفى دراسة أخرى لمركز جورج تاون للقوى العاملة والتعليم أشرف عليها أستاذ علم الاجتماع السياسي “أنتوني كافينال” باستتناجه المدهش والمذهل أن الفقر ليس العامل الحاسم لتحديد مستقبلك على الرغم من تأكيده العكسي تمامًا بطريقة يقينية تربو للإيمان بقوله “من الأفضل أن تولد غنيًا على أن تولد ذكيًا”.

 

وللتأكيد على أن العوامل الأخرى تؤثر فى مدى صقل الفرد بالمعارف اللازمة، وضعت الدراسة معايير الخبرة الحقيقة التى تبني فردًا حقيقيًا يتمكن من تحقيق غايته وهدفه من الحياة لا أن يصبح مجرد ترسًا فى ماكينة أكبر حتى موته.
وبالطبع يؤسس الإنسان منذ نشأته لتصفية خبراته المفاوضة لاحتياجاته الأساسية فيصير بائسًا كما يشير “دانييال حقيقيتو”.

 

ولكن يطرح هذا سؤالًا فيما يتعلق بالعوامل المؤثرة لزيادة أو نقصان الخبرة؟، أو بمعنى آخر حتمية الوصول لما رسمته لنفسي عبر العمل المكثف أو حتى الوصول لحد الكفاف الذى يبقيك على قيد الحياة لا أن يقتلك ويجلب لك أدواء لا علاج منها. وبالتالي يتحقق منك كل استفادة للاقتصاد المبتذل.

 

وأضف على ذلك مدى النتيجة المصممة مسبقًا من الأصل لتحصلها بالفعل، فالعمل مصمم لاكتساب ربع القيمة المفروضة له أن يحصل الفرد عليها، وهذا ما يضعنا أمام تساؤل أعمق وأكثر تقابلًا مع ما نسميه العقيدة الاقتصادية للفرد Economic dogma of individual.

 

وهو عين ما أشار وأفرد تفاصيله المدهشة المدون روبرت كاين حينما سرد قصته الرائعة والمثيرة عما تعلمه من خبرة السفر ومما تعلمه، والذى فاق حد الخيال فى التعلم عن ٢٥ عام من التعلم فى خبرة العمل.

 

صناعة الفقر العالمي وآلية النهب: عدالة اجتماعية عوراء

 

 

والآن حان الوقت لتعرف القصة المريبة وراء اختيار نظام ال٨ ساعات فى العمل لتعلم أنك لست فى الحسبة من الأصل حتى يراعوا أدميتك فضلًا عن مستقبلك؛ فالنتائج التى أفرزت عن هذا النظام اللبيرالي كارثية لدرجة أنها قسمت العالم لقسمين فقراء مدقعين وأثرياء حد الثمالة، أي فصل طبقي يهدف لإبقاء الوضع الراهن Status quo وتغذيته.
ولهذا فإن الفقر العالمي يصنع على قدم وساق ببراعة وحرفية لتمييع القهر بنوعيه المختلفين الرمزي والفعلي.

 

 

وهو ما يدفعنا لفضح المنظومة وتفعيل صفارات الإنذار حتى ندق أجراس الوعي والفهم، والأهم من ذلك إحداث تغيير جذري ولو مر ببطء؛ فالتغيير التراكمي الواعي القائم على الثقافة يولد دافعًا للعمل القائم على خطة و رؤية مما يلزم تنقيبًا عن المحرك الجذري.

 

وتبدأ القصة الحقيقة التقليدية للفقر منذ الثورة الصناعية الأولى والثانية؛ حيث لجأ أصحاب المصانع الأوربية مرهفي الحس ورفعي الذوق لتشغيل العمال مقابل ملجأ ومبلغ إن أعتبر فى ذلك الوقت أنه كافٍ فإنه من سبيل الندرة والقلة لهذه الفرصة. حتى بلغ بتشارلز ديكنز وبرام ستوكر بتأليف عدة روايات تعد الآن من روائع الأدب الانجليزي مثل أوليفر تويست ودراكولا. وانتهى بعد معارك وصراعات طويلة بتطبيق سلسلة من القوانين المنظمة للعمل من سنة ١٨٨٨ لسنة ١٩٢٠م، أي استمرت قرابة الربع قرن أو أكثر بقليل.

 

تعرف أيضا علي…أحرق نفسك من أجل الشركة…كيف تسحقك الوظيفة سحقًا جسيمًا؟!

 

 

ومن المتشابهات العجيبة أن فرنسا سارت على نفس النهج؛ حيث انتشر مذهب من أبشع وأنكى الأفكار، الذى يحول الإنسان لآلة يشغل آلة، للتمكن من تشغيل المصانع.
وانتهت فى فرنسا بنهج أعنف وأكثر كراهية للعمل التقليدي فى عام ١٩٢٣.

 

 

وعلى الوجه الآخر، فإن العمل فى الخارج كان تابعًا لسياسات المستعمرين كبريطانيا وفرنسا وبلجيكا؛ فقد كان أقرب لنظام السخرة والعبيد، نظريًا دون التطبيق، ويتلقى راتبًا يكفيه حتى أول الشهر، فى صورة واضحة عن الاستبعاد التقليدي لتوفير نفس الاحتياجات الأساسية.

 

يدور الزمن فى دوائر مفرغة بنفس التقنيات والاحتمالات دون تغيير جذري لمدة تزيد أكثر من قرنين.

 

 

وبعد نشأة الشركات وارتفاع تكلفة الاستعمار المباشر، لجأت الدول الاستعمارية للربط بين المال والسلطة الاستبدادية فى الدول الأوربية والعربية. ووفقًا “لجون بركان” فى كتابه المثير للجدل “الشركة” ليوضح أن الشركات بمثابة النموذج المحدث من الثورة الصناعية.

 

 

ويربو “فولفانخ ستريك” من تحليل أدق لاقتصاد الأزمات المتسارعة؛ حيث يؤكد فى عام ٢٠٠٨ أن الأزمة قتلت الإنسان ليس من العمل ولكن من الجهد المبالغ فيه لتعويض الخسارة، وتؤكد بيانات الصحة هذا بكثرة؛ حيث أشارت أن الانتحار زاد بنسبة تربو ل٥%على مستوى العالم شهريًا، وأغلبهم كان من الفقراء والمعدمين، ولعل هذا ما حذر منه ستريك فى عنوان كتابه شراء الوقت فى إدانة واضحة لأمولة كل شيء متضمنة الإنسان نفسه.

 

أي أن الرأسمالية تأكل من لحم فقرائها الحي المتسببة فى إفقارهم وتجويعهم بالأصل؛ مما يجعل أي خطاب يوصي الإنسان بالعمل ١٦ ساعة يوميًا جهول أرعن لا يوجه أصابع الإتهام إلا على الضحية.

 

ولا تتوقف عيوب هذا الخطاب عند مواجهة وإلقاء اللوم على الضحية، بل يتخطي الأمر بمراحل مجرد مرحلة التحفيز والمسؤولية لمرحلة أخرى من الجهل الممزوج بالرعونة؛ لعدم قدرته إما على التحليل أو على مواجهة المتسبب الرئيسي فى المشاكل المركبة الناجمة عن ماركيتنية جديدة هدفها تشويه وتفتيت الإنسان من أجل تبني السوق كثقافة. أو كما يربط الفيلسوف الأمريكي “ريتشارد سينيت” فى كتابه تآكل الشخصية لإن العمل يسهم فى تدمير المعنى للإنسان العام.

 

مما سبق يجب اتباع منهج علمي لإتخاذ من القدرة ما يناسب الفرد وامكانياته لا أن نلقيه لغياهب النسيان تحت شعارات مرضية غرضها فقط تثبيت الإنسان على ذله، وتسليمه تحت سخرة جديدة لاستنزاف صحته وأمواله تحت ذريعة القضاء على ظروفه المتسبب فيها.

 

فبدلًا من القضاء على الظروف سيلجأ للقضاء على نفسه بالكلية أو صحته وقصف عمره والإصابة بأمراض الشيخوخة مبكرًا من دون أي قيمة تذكر لنفسه المهدرة.

 

تابعنا أيضا علي…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock