كتبت: ياسمين سمير صبرى
على مر العصور دائمًا ما كانت الأحداث تثبت أن الفساد ووجوده مرتبط بوجود الجنس البشري وجشعه المتسلط، وكما يقال فقد تفوق التلميذ على أستاذه إذ استطاعت الأجيال القادمة المتسلحة بالتقدم والقوة تخطي حدودهم الإنسانية خالقين ما يعرف ب”الفساد المحق” أخبث وأظلم قوانين العالم.
قانون سكسونيا الفاسد أصبح أفسد
ومن لم يعرف القانون المعروف “سكسونيا” الناشيء بعاشر أكبر ولايات ألمانيا مساحة والسادسة من ناحية عدد سكانها، وقد سمي بهذا؛ نسبة لولاية سكسونيا بألمانيا الناشئة لهذا القانون ولنرجع خطوات إلى الوراء لمعرفة كيفية ولادته وأصله الحقيقي.
قانون يرجع للعصور الوسطى بالتحديد فى القرن الخامس عشر وقد تم ابتداعه من قبل حاكمة ولاية (ساكسونيا) القائمة على التمييز العنصري منذ البداية المتمثل فى ساكسونيا السفلى المستوطنة من قبل القبائل الساكسونية وساكسونيا العليا تحت حكم عائلة (فيتن)، التى كانت محكومة من قبل الأغنياء وكما يدعون ب”نبلاء المجتمع”، وقد كانوا يملكون جميع الثروات فى المقاطعة آنذاك ولأن من يمتلك القوة لابد أن يمتلك السلطة وزمام الأمور، وهذا ما سعى إليه الأغنياء وذلك من خلال خلق ما يعرف ب”قانون ساكسونيا”، وهو قانون خاصة بتطبيق العدالة…عدالة مزيفة، وهنا تكمن المهزلة الكبرى فهو ليس مجرد قانون مختلط كما تكون باقي القوانين المعيبة، إنما قواعد وطرق تنفيذ هذا القانون بعيدة كل البعد عن المنطق أو حتى مفهوم القانون؛ حيث يتم معاقبة كلا الطرفين الأغنياء والفقراء على حدا سواء مع إختلاف طريقة تنفيذ العقاب إذ يعقب الفقير جسديًا بينما الغني فإن ما يعاقب هو جسد ظله، مثالًا لتوضيح إذا إرتكب شخصان أحدهما من الطبقة الفقيرة والأخر من طبقة الأغنياء لنفس الجريمة وكانت عاقبة هذه الجريمة هو قطع الرأس مثلًا فإن الفقير تقطع رأسه أما الغني فيقطع رأس ظله، قانون مجحف وداعي للسخرية بكل المقاييس، ومع ذلك فهذا ما بدأ العالم بإتباعه حديثًا فالتاريخ يعيد نفسه لكن الإختلاف هنا فى إنهم أظهروا “قانون سكسونيا” بشكل مختلف تمامًا عن السابق إنه قانون سكسونيا المطور المعروف ب”الفساد المحق” ولفظه واضحًا تمامًا ومعناه لا يحتاج لشرح، فهو يزين الباطل بالحق ويغلف الوحشية بالديمقراطية وهنا يكمن جوهره، فعالمنا الآن غير جميع القواميس والمصطلحات؛ إذ أصبح الخير شرًا والحق باطلًا والسلام عنفًا والكذب حقيقة والصدق إهانة، إذ عُكست الأية فإنقلب العالم رأسًا على عقب، ولأن الإقناع لا يأتي إلا بذكر الأمثلة خاصة وإن كانت تعبر عن واقعنا الأليم، وليس هناك أشهر من جريمة الفساد الكبرى جريمة العالم الكبرى إنها غزة المحتلة…
جريمة إرتكبها العالم أجمع، عار لا يمكن محوه
جريمة العالم بحق فلسطين لا يستطيع أن يغفرها الزمن، فدائمًا ما كان شعبها يعاني سابقًا كان أو حتى حاليًا، قديمًا كانوا يبررون أفعالهم الوحشية بحق القضية الفلسطينية بالعنف، أما الآن فتبرر بواسطة الفساد المحق، الوحشية المخفية بالإنسانية، وكما يقال “فالمصالح بتتصالح” فنرى العالم الآن قد إنقسم إلى فرق متفرقة بعضهم صامتون مثيرين للشفقة أكثر من أهل غزة أنفسهم فقدوا أصواتهم وكل ما يمتلكون منذ زمن بعيد، وأخرون داعمون للظلم يبررونه بأعذارهم الواهية أعذار تزيد من انتشار وبطش الفساد المحق.
العالم أصبح على شفة الهاوية الهالكة ينتظر لحظة فقط، لحظة فقط ليسقطنعا جميعا؛ إستحقاقا لجريمتنا الكبرى التى لا يمكن لأي شيء غفرانها، جريمتنا الشنيعة “جريمة العالم بحق فلسطين”.
أساليب التحايل لا تنتهي
انتقالًا ما بين المشاهد السينمائية أو المشاهد الواقعية، فمسرح الحياة لا ينتهي إذ جسد فيلم “الغول” للزعيم “عادل إمام” القانون فى غاية الإبداع؛ إذ بات يضرب به المثل حتى يومنا هذا فى التعبير عن النعصرية والتميز الطبقي، وها قد عادت ألمانيا من جديد بإصدار قوانينها الجائرة مرة أخرى وذلك فى العام الماضي عندما أعلنت صحيفة (Die Zeit) أن ولاية ساكسونيا وضعت شرطًا أساسيًا للحصول عل الجنسية الألمانية وهو الإعتراف بحق إسرائيل فى الوجود -فكرة الكيان الصهيوني-، كما أشارت الصحيفة الألمانية أن الإعتراف بإسرائيل هو سبب ألماني للدولة، مشددة على بيان جاء من (وكالة الأنباء الألمانية) أنه ستعمل ولاية ساكسونيا على التحقق من صدق مسارات وسلوكيات هؤلاء المتقدمين والتأكد من عدم وجود أية مؤشرات لأي معادة للفكر الصهيوني، مع أخذهم فى الإعتبار عند الموافقة على حصولهم على الجنسية بحيث يتم إزالة التجنس إذا صدرت أى سلوكيات معادية.
تعرف أيضا علي…تحليل الاتجاهات الحديثة فى سوق الأسهم
من المثير للغباء والحزن على حدًا سواء أن قديمًا عندما فرض قانون سكسونيا على مقاطعتها قد كان الناس فرحين بهذا القانون المزيف، بينما نظر إليهم الأغنياء بنظرة تعلوها الإستهزاء والسخرية، هل حينها آنذاك لم يكونوا يدركون إنه لا يمت للقانون بصلة؟!
فالقانون خلق من أجل العدل وعدم التمييز، حينها ألم يدركون ما هو القانون حقًا أم أنهم كانوا عميانًا لا يستطيعون التفريق؟
فكما تعلمون لا يمكنك أن ترى ما دمت أعمى، وهذا العميان لازال حتى الآن كما لو سرطانًا مزمنًا ينتقل عبر الأجيال مستوطن عقولنا؛ إذ أصبحنا حاليا مغسولي الدماغ لا نميز بين الصواب والخطأ، أعيدت برمجة عقولنا خدمتنا لمصالحهم اللاذعة.
لقد نشر مؤخرًا مصطلح يعرف ب”عدالتك الخاصة” من ركائز قانون “الفساد المحق” الأساسية التى تقول أن لكل شخص عدالته الخاصة كما يزعم بمعنى أن ما تراه عادلًا يشترط أن يكون عادلًا أو صحيحًا، إنها خطتهم الخبيثة لغسل عقولنا وإحتلالها بالأفكار الهدامة، وإن كان ذلك صحيحًا ما كان للعدل أو الصواب وجود، كان الجميع سيفعل ما يريدون تحت شعار العدالة، إنه العدل المدعي الذى لا صلة له بالعدل أو معناه أصلًا، ولتعلموا فالعدل عدلًا والظلم ظلمًا، لا إختلاط أو لبس فيهما فأحدهم فى الشرق والأخر فى الغرب، فكيف لا تستطيعون التمييز بينهما برغم من هذا الفرق الشاسع؟!
الأمر واضح وضوح الشمس فالشمس شمسًا، لا يمكن أن تظهر شمسًا جديدة، والإنسان إنسانًا مهما حاول التلاعب او إستغلال ما منح له متخطيًا حدودنا الإنسانية فإننا سنظل دائمًا محكمين بحدودنا البشرية، حدودًا لا يمكن محوها.