كتب: مصطفى نصار
نبع النهر ليس كمجرور الماء: تشريح العمل للمرأة
يتكرر الحديث دائمًا حيال عمل المرأة إما باعتباره إهانة وذلًا لها لما فيه من أجور منخفضة وعدم مراعاة لأبسط حقوقها وانتهاك كرامتها، أو حقًا يصون كرامتها ويحافظ على كينونتها واستقرارها العملي والعلمي، واستقلاليتها الفعلية؛ نظرًا لتشكيل العمل بممارسته الحالية للشخصية.
ويكثر الجدل بين الفريقين دون الإنتباه للشق الاجتماعي والنفسي والأسري الذى يلقى على عاتق المرأة، أو ملاحظة الإطار الحاكم للعمل وتنظيماته وهياكله ومخرجاته الحجرية ومداخلاته الذهنية والعقلية .
وإذ وقفت على سبيل المثال بحافة نهر صافٍ نقي فإنك ستلاحظ بالتأكيد نقاء الماء والأسماك التى تتراقص بين الأمواج لإنها تشعر بنفسها ووجودها واستقرار يأتي من البيئة المحيطة بها؛ مما ينتج تشكل شامل وكامل لنمط سباحة الأسماك فى الماء السخي فى الفرص والعروض، بعكس ذلك موت الأسماك وفنائها يكون أسهل وأسرع بذلك فى المستقنعات والبيئات السامة والمميتة التى تمهد الطريق للانزلاق حتى للأمراض مثل التسمم أو سهولة الافتراس من الأسماك الأكبر والأسرع سباحة.
فمن الأفضل والصحي إعطاء الأسماك بيئات صحية لإعطاء ما هو حق لهم وصون لحريتهم وكرامتهم.
فعند التطبيق العملي للمثال السابق على عمل المرأة الحقيقي فى العالم، فلم تتمكن النسوية من إفادة النساء غير النجاح بكل تفكيك نفسي واجتهاد واحتراق اجتماعي غير مفطورة عليه المرأة لتحمله، بل تتحمله مقابل هزل فى الاعتمادات والتأمينات على حياتها.
إن التمييز هنا لغة مفرقة ومشتتة تمكن للمرأة من أن تتحول رجلًا فى الصفات والامكانيات والمسؤوليات، أو هكذا يحدث فى حالات النسوية الغربية.
وأما فى الشرق فالوضع أسوء وأكثر انحدارًا، يعني بالضرورة نبذ والإطاحة التامة لأخلاقيات النسوة لدينا.
وقبيل الحجة المعتادة الخاصة بالتجربة والاستقلال والانطلاق والقوة النسائية، علينا التوضيح بأن العمل حق مشروع لأي أحد لضمان عدة أمور وأغراض منها إثبات الذات والاستقلال وتحمل المسؤولية وخدمة المجتمع والأهم من ذلك معرفة الأنماط المختلفة من البشر، ويكمن وجه الاعتراض والتحفظ على أن أمريكا ظلت تدندن وتغني بتلك الشعارات والرمزيات، إلى أن تفكك وتشرذم المجتمع لأكثر من ألف طائفة من النسوية نفسها.
إلا النسوية النيولبيرالية، فإنها أس البلاء والشرور فى العمل لتغطية مهازل ومجازر العمل بحق النساء فى سوق العمل اليوم كفيل باستقالة النساء هنا من عملهن إن كانت احداهن تلقى السمع.
النسوية من مرأة مستقلة لتقويض المرأة فى العمل
فى كتابها المثير للجدل النسوية النيولبيرالية، تخبرنا عالمة الاجتماع اليهودية “كاترين روتبيرغ” أن النسوية النيولبيرالية باتت كالسيف على عنق النساء فى العمل وغيره لما تحدثه من خلل اجتماعي فى الأمومة والرعاية وتحويل المرأة لمجرد آلة تقوم بمهام معينة مهينة، لا يمكن للرجل حتى القيام بها.
تعرف أيضا علي…تعرف على دور المؤسسات الحكومية فى تلبية خدمات المواطنين
والأكثر مرارة رغبة النسوية والعارمة فى تمرير الأهداف الأجندة الخاصة بها باعتبار حقوق طبيعية للمرأة العادية بداية من الإجهاض حتى الشذوذ الجنسي، لإصدار وثبات الفلسفة المادية للبحث عن “المساواة والعدالة”، ولكن أكثر ما يفكك ويشرذم المرأة فى نظرهم عملها فى الشركات والمصانع تحت شعارات براقة تتخللها هشاشة واختلال نفسي نابع من عقليات مرضية.
وتلك العقليات تخاطب المرأة بلغة التسويق الشخصي لزرع الإبهار والافتنان بالألقاب والمسيمات الوظيفية من قبيل “أخدمي نفسك” و”أنتِ حرة ومسؤولة عن نفسك” فى إشارة واضحة على جذب المرأة ولعب العواطف الجياشة، واعتمادهم على الطبيعية الطيعة والمرنة للمرأة، فلا تكتفي بذلك بل يؤكد “شولتز” فى دراسة موسعة عام ٢٠١٨، حينما أشار أن الريفيات هن الصيد الثمين للشركات الكبرى لإنهم يستلغون حاجتهن المالية بصورة تسلعهن، فالتسليع هنا أمر حتمي والنتيجة الحتمية له هو الاغتصاب والاستغلال.
ولذا فمن المفترض أحيانًا بحسب “أني ماستز” الاحتماء بالسلطة الذكورية؛ حيث إنهم يتمعتون بكل الصفات المطلوبة والمرجوة لحماية ضعفهن وقلة حيلتهن، وليس فقط لتكوين أسرة أو احتمال مسؤولية؛ فالنتائج هنا نابعة من إعادة تعريف الأنثى عبر عدة قرون لتكون المسؤولية هنا عبارة عن حرب ضروس يتصارع بها الطرفين، بلا أي أساس أو حتى هدف، للصراع من عدمه.
لم ترغب النسويات إلا فى جعل الرجال نساء والنساء رجال، ووضعهن تحت مقصلة العمل لتنسى أمومتها وحياتها، والوضع يفوق العنصرية بمرحلة فى عمل النساء الافريقيات والشرق أوسطيات وخصوصًا المصريات فى خلق تبريرات ومسببات لا تتسم بالواقعية من عدة نواحٍ منها وأكثرها تكرارًا تحقيق الذات وتحمل المسؤولية، وبمجرد أن يفعلوها وتستطردها المشكلات الخاصة بالعمل حتى تجد نفسها تحاول أن تهدأ نفسها بالمسكنات الرجولية من الحجج متضمنة الحجة المشهورة المضمنة فى كتب المتطرفات من النسويات أمثال “ديبوفوار” و “باجليا” مثل تلك الراكزة لإن المرأة تحتاج للعمل الحالي دون معرفة ماهيته أو رغبتها به، بعكس الرجل ذو الطبيعة الصلبة التى تصعب تطويعها إلا باقتناع تام وكامل وليس لمجرد أجر زهيد يرغب فيه فقط لسد أسعار أسبوع واحد فى الدول المتخلفة، وبالأكثر ٣ أسابيع فى الدول المتقدمة.
اعتماد أم زيادة وتيرة الانهيار الاجتماعي: عمل المرأة فى مصر بين الضحك المبكي والضنك المخزي
لقد نحجت الأزمة الاقتصادية والنظام العلماني فى خداع الفتيات وجعلهن يظنن أن العمل الحقير بأجور زهيدة حرية ومسؤولية واعتماد على الذات، ولا أنفى هنا وجود عامل الإجبار، إلا أن الشكوك تحوم حول ذلك العامل بحق فيما يتعلق بالرغبة الشخصية والنفسية للمرأة بخوض غمار -السوق-، ليترتب عليها نتائج كارثية أبسطها تفريغ السوق من الرجال وجعلهم جيش احتياط.
غير ذلك، فأزمة العمل فى مصر لا تتوقف عند الأجور الزهيدة أو التفريغ المتزايد، بل بامتداده أيضًا بإسعاد أصحاب رؤوس الأموال التى ستوفر مالًا أكثر مقابل عمالة أرخص ثمنًا وأقل عمليًا فى القيمة وأكثر طاعة وسماعًا للكلام وتنفيذًا للأوامر مقابل وجبة أو مد مدة التدريب.
يكفل ضمان السوق النسائي أيضًا بحسب “نانسي فريزر” قابلية للاستغلال وتقديم التنازلات، إلا فى بعض الفئات العاملة من النساء التى اكتسبن وعيًا وخبرة تكفل لهن مرجعية صلبة لا تغني بالطبع عن وجود الرجال فى حياتهن.
وبمزيد من المتابعة والتكثيف المتوالي على مجالي الصيادلة والتدريس، نجد أن النساء الخريجيات حديثًا يفضلن أن يتدربن في شركات الانتاج تحت ذريعة أنها تدريب وخبرة وبعدها مرتب مجزي وحياة مستقرة، وما تجد إلا أنها تعمل عملًا شاقًا مجهدًا لا يحتمله إلا مقاول أنفار أو هدم. وعدد حوادث الاعتداء بتلك الشركات كارثة أخرى غير مسرة بالمرة لإنها وصلت للنصف فى أخر إحصائية من المجلس القومي للمرأة.
والتدريس كذلك فإن الضغط النفسي الناجم عنه كبير للغاية حتى لا يحتمل إلا لمن له ومن يعرفه، بل أن بعض الشركات هنا تتعمد زيادة الضغط النفسي والاجتماعي فى العمل على النساء حتى لا يتنسى لها التفكير من الأصل وحبسها فى بوتقة الهموم والضغوط الحجرية الخاصة بالعمل.
وترتبط النسب المتزايدة للعمل النسائي أيضًا بزيادة الاعتداءات الجنسية من اغتصاب وتحرش ناتج عن كبت وعنف مكتوم اجتماعي تحت طبقات رماد متراكم يحتاج لنفثة حقيقية من النور الوحيد الضابط للأدوار المطلوبة.
فالإسلام يعتبر المرأة مصونة دائمًا ويحافظ على حقوقها وهى بعكس الإدعاءات الفارغة والجوفاء، غير ملزمة بالعمل لأن ببساطة العمل للمرأة يتم في حدود ضوابط ومعايير منها الحفاظ على حقها والفصل التام بين الجنسين إلا فى حدود العمل والعلم.