مقالات

اتفاق فرساي لبنان…تداعيات وقف إطلاق النار في لبنان

كتب: مصطفى نصار

شرارة الحرب العالمية الثانية…من فرساي لأوستفيز ألمانيا المكسورة تحطم العالم

عقب هزيمة الحرب العالمية الأولى، اضطرت ألمانيا بإجبار ملحوظ وفج انتهازي للتوقيع على اتفاقية فرساي 17 يونيو 1919، منصوصة على عدة نصوص تقص أجنحة ألمانيا وتقلص نفوذها وتعمل على امتهانها لجعلها تتحطم تمامًا دون رجعة للأبد.
ورغم ذلك التحطيم الظاهري، فإن جهلها بإنه سيتحول لوبالًا من الدمار وأكوام من الجثث وانتشار النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا وأسبانيا، لتكتمل بتلك المعاهدة صورة الحروب الأكثر تدميرًا ووحشية في العالم.

وجريان المعاهدة تمت على 7 نصوص تجمل في دفع مبلغ قدره 100 ألف فرنك شهريًا، وعدم توظيف أي ألماني خارج الحدود الألمانية، وحماية الحدود الألمانية بعدد متوسط من قوات الحلفاء التي دأبت على إذلال الألمان عند السفر والعودة من ألمانيا، وانتهاء بالقبض على المجرمين وإهانة المسؤولين الألمان عند ارتكاب أي انتهاكات مباشرة، أو غير مباشرة.
ووصل الأمر لدرجة وأد أي ألماني لمجرد اشتباه فقط في ارتكابه أو فعل حركة مشبوهة، حتى كتب المؤرخ الهولندي “يوهان هويزنخيا” في كتابه في “ظلال الغد” أن الاستقطاب الألماني وصل لدرجة مرعبة مهدت الطريق لتخصيب الأرض لاستقبال النازية بترحاب وسعة صدر التي جرفت العالم لأفران الغاز والتطبيق العملي للعنصرية والتطهير العرقي والجنسي، عبر عدة تداعيات متسارعة لفرساي عقب تدشين عصبة الأمم في 1918، واتفاقياتها المعقودة لضمان استمرار السلام والتعاون الدولي العضوي.

ولسنوات عديدة، تمكن الإحباط واليأس من النفوس متحولًا بعدها لغضب عارم مكتوم، ملأه صبر وتصابر، إلى أن أتت لحظة إيجاد الألمان أنفسهم لدى هتلر بعد تكوين حكومة فايمار التابعة للحلفاء(1919_1923)، فتجمع الحشود الألمانية في البارات والحانات لقضاء الوقت والتنفيس عن كمية الغضب والغليان التي اعترته من ضعف وتبعية حكومة فايمار العملية والخانعة التي اتخذت إجراءات تتمثل في صعود هتلر واقتناعه بممارسة السياسة وانخراطه، فدخل الحزب الاشتراكي بعد أن كان فنانًا فشل في أن يحقق حلمه، وكون نواة الحكومة التالية عقب تفكيك حكومة فايمار على يد النازيين في يوليو 1922، لتبدأ بذلك حقبة جديدة أكثر جدية ومصيرية في تاريخ العالم الحديث وخاصةً ألمانيا الحديثة، ولعل هذا ما جعل المؤرخ الفلسفي الشهير “بيتر سودجوك” يؤكد أن ألمانيا الكلبية تتجسد في النازية لترسب مزيج من التضارب المدمر بين المثالية والاحتقار للآخر، لتنتهي في نهاية المطاف للوحش الذي التهم العالم الحديث في لحظة “نماذجية” بتعبير الدكتور “عبد الوهاب المسيري”، وتعرف بأنها اللحظة التي تتبلور عندها الأفكار لتظهر على أفضل درجات وضوحها.

باستدلال وملاحظة بسيطة سلسلة، أدرك المؤرخ والفيلسوف “أنريكي دوسيل”، أن التحرر الألماني من الحرب ما كان إلا فخ لغليان غلة الطعام، الذي أتم نضوجه بتولى هتلر والنازيين سدة الحكم والنفوذ الكامل في البلاد، وتأسيس سلطوية تحمل في مكامنها مدمراتها، أو بتعبير الفيلسوفة الألمانية “حنة أرندت”، “التاسيس السلطوي”، وهو ما تأسس بالفعل بمجرد تسليم ألمانيا سياسيًا واجتماعيًا بيد الحلفاء الذين استغلوا الحقد ووظفوا بجهل ممزوج بعمى تكرر بصورة أعمق مع لبنان في الحالة الحربية مع دولة الكيان الاسرائيلي.

 

تعرف أيضا علي…قانونية التطبيع…تجنيد القانون الدولي لصالح إسرائيل يتبلور في فضائح السفن

فرساي لبنان الجديد…غزة كذريعة استراتيجية وعسكرية

دأب حزب الله على دعم غزة لعدة عوامل حزبية، وسياسية، وخارجية، أهمها تنفيذ استراتيجية إيران في المنطقة العربية لعلمهم أن المقاومة ذريعة لها شعبية جارفة وحشد صادق، فبناءً على ذلك، تحول دعم المقاومة لذريعة سياسية لكسب أكبر عدد من الناس، وإنما دخلت لجحر الفئران في حقيقة الأمر بعد 13 مارس 2011 بحجة حماية سوريا من “الإرهابيين” كما قال الأمين العام السابق “حسن نصر الله”.

وأتى هذا الدعم من خلال الحرب الآتية بشكلين المباشر وغير المباشر، أما المباشر فهو جاء بعد الفتك بقيادات الصفين الأول والثاني، وقبله تفجير أجهزة البيجر التى تعد جريمة حرب في القانون الدولي، أدرك الحزب عقب ذلك حتمية دخول الحرب مع إسرائيل بشكل مباشر بعد خسارته الكبيرة على عدة أصعدة شعبيًا وسياسيًا وعسكريًا، و لأن اتهامه بالضعف والخنوع سيتحول لموقف واقعي في الداخل اللبناني، ومتوقع تغيير نظام 8 مارس/آذار، السياسي بعد تنفيذ الهدنة.

بالرغم من موقفه الأخير، أهدافه وعملياته العسكرية كبدت الاحتلال الاسرائيلي خسائر ضخمة كفيلة بإعادة ترميم نفسه والتقاط أنفاسه على فترات طويلة من الزمن كلفته من اقتصاده الكثير.
ومن ضمن تلك الخسائر الجمة التي جاءت في صالح الحزب هي دوي صفارات الإنذار أكثر من 22 ألف مرة، وكذلك تهجير مستوطني الشمال الفلسطيني المحتل كافة، ووصول الصواريخ والمسيرات لحيفا وعكا وقذف قواعد عسكرية واستخباراتية هامة مثل قاعدة نتساريم وبيت لاهون، ومنزل نتنياهو في قيساريا المحتلة.

إن الموافقة على الاتفاق المكون من 13 نقطة، كلهم بلا استثناء لصالح اسرائيل واستراتيجيتها الحربية والعسكرية المعتمدة في تلك الحرب على التصعيد المتسع والحرص على توسع رقعته، فكونت بذلك عقيدة جديدة مساوية لما حكاه الفيلسوف اليهودي “هايكو هاومان” في كتابه “اليهود في أوروبا”، أن النازية المؤيدة من اخواتها حتى انهاروا جميعًا مثلما حدث مع لينين.

يترك الاتفاق عدة أسئلة وملاحظات كثيرة وحيوية، مشتملًا على الإشراف الدولي لتنفيذ كل من الولايات المتحدة وفرنسا، مما يفتح الباب أمام الطرفين للتكتم على الانتهاكات والقصف الاسرائيلي تحت أعين العالم، ويشمل سؤال كبير آخر يتعلق بالقدرة على الردع فقط من قبل الجيش اللبناني مع قوات اليونيفيل الدولية التي طالما كانت محجمة لقدرات الحزب حسبما أعلن “هاشم صفي الدين” في لقاء مع الميادين عام 2010.

يغفل أيضًا الكثير من المسائل الحيوية في هذا الاتفاق، مثل عدم تكافؤ الوقت للطرفين بقدر عادل، بقدر ما يخدم الجانب الاسرائيلي ليخلق حجج غير مبررة وسخيفة ليمكث في الأرض اللبنانية أطول فترة ممكنة، مما يفتح الباب لممارسات استيطانية جسيمة تنتهى باحتلال الجنوب رسميًا مع تكتم أمريكي فرنسي.
يغلب على الاتفاق كذلك تحيز فرنسا الواضح للانخراط والتدخل فيه لاعتبارها أن لبنان جزء لا يتجزأ من المستعمرات الفرنسية، ولذا تعتبر فرنسا نفسها ولي الأمر والناهي على الساحة اللبنانية ، مع تكثيف الرؤية الاستراتيجية لإسرائيل بالترحيب بفرنسا لخدمتها في الحرب كما يشير أستاذ العلوم السياسية “راجان مينون” في مقال له بعنوان “الاستراتيجية الرئيسة المتبعة من إسرائيل تجاه وقف إطلاق النار ”

وبغض النظر عما ذكره مينون من حجج تدعم المقولة الإسرائيلية والحجة الداعمة للاستراتيجة الدفاعية، كشفت وثيقة مسربة من موقع أكسيوس مدى كسب وتحقق أهداف ومكاسب اسرائيلية، عبر كسب الوقت لمجيء ترامب على سدة الحكم، وكذلك إعطاء الفرصة للجيش لالتقاط الأنفس وإعادة تعبئة الأزمة، موافقًا لما قاله رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو باحتفال وانتشاء، بالإضافة لتطبيق القرار المعيب والمتهرب منه حزب الله 1704 منذ عام 2006.

 

الاضطراب العظيم وشبح الحرب الأهلية…مصير شبه مرسوم للحرب الاسرائيلية على لبنان

هناك عدة احتمالات واردة بالحرب الاسرائيلية على لبنان، من بينها استمرارية الحرب حتى قبل تولية الرجل البرتقالي دونالد ترامب، لغض الطرف عن جرائم الحرب وقضايا الإبادة الجماعية التي عزلت العقيدة الاسرائيلية دوليًا بالحكمين الصادرين من المحكمتين العدل الدولية والجنائية الدولية، بجانب العديد من القضايا المعقدة والمتشعبة من المحكمة العليا والجنائية الاسرائيلية، بعدد تخطى أكثر من 500 قضية تتنوع بين القضايا القضائية والجنسية والتجارية والسياسية والاستخباراتية المخيفة وأيضًا قضايا الفساد، لدرجة أن المحللين العسكرين على القنوات التابعة له مثل 13 و 14 العبرية أكدوا أن الإتفاق جاء لنجاة رئيس الوزراء من القضايا. وبالطبع، هاجموه المتطرفون بشراسة وعلى رأسهم ايتمار بن غفير الذي وصفه بالخطأ الفادح الذي أضاع فرصة القضاء على حزب الله للأبد، محققًا ليائير لبيد فرصة ذهبية لهجومه علنًا معتبرًا نفسه البديل المناسب لإكمال المرحلة.

أما بالنسبة لخيارات حزب الله، فقد وقع في مفترق الطرق بين مؤيد للاتفاق بحجة منح الراحة والفرصة لإعادة التعبئة والثقة الشعبية المهدورة بإعادة النازحين لبيوتهم، وإعطائهم الفرصة للاحتفال والبهجة، ولأن مشهد النزوح الداخلي زاد عن حده ووجب أن يتوقف.

أما عن رؤية المعارضين لفكرة الاتفاق، فتنبع من عاملين، الشق المتعلق بالانسحاب خلف الليطاني، مما سيعطي الفرصة لإسرائيل لخلق منطقة عازلة تحرسها قوات اليونيفيل والجيش اللبناني الخصيم السياسي المعروف للحزب، ويربط الاعتراض الثاني على الاتفاق بما يتعلق بتفكك الحزب نفسه على المستويين العسكري والاستراتيجي معطيًا قدرًا من الاستحالة الممزوجة بفقدان السيادة الوطنية بانتهاك صارخ ومثبط للدولة كلها هيكليًا.

وذلك لأن الدولة اللبنانية ذات طبيعة خاصة، ممثلة في تعدد طوائفها وتعقيد ديموغرافيتها المكونة من تمكن الأقليات مكونة بذلك نظام 18 آذار/مارس المقسم للصلاحيات والالزامات السياسية والنيابية بشكل طائفي، بحيث يتولى رئيس الوزراء من الطائفة السنية ومجلس النواب من الشيعة والجمهورية من المارون بعد 15 عامًا من الحرب الطاحنة التي خلفت أكثر من 200 ألف قتيل وقرابة مليون جريح لبناني.

وقد تعاد الكرة بحرب أهلية جديدة وأكثر عنفًا وحدة مما يهدد استقرار الدولة سياسيًا واجتماعيًا ويكتب النهاية لتقسيم لبنان الطائفي المبني على نظام التقسيم والتوارث الطائفي، والذي أكد روبرت فيسك خطورته في أثناء تغطيته للحرب الأهلية الأولى في كتابه “ويلات وطن”، والتي من المحتمل أن تنتهى هذه المرة بتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي نفسه وتولية نخبة خانعة خاضعة على منوال الدول الأخرى.

 

تابعنا أيضا علي…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock