مقالات

يحيى السنوار…القائد الذى أمسك أشواك القرنفل وحولها لصورايخ على تل أبيب

كتب: مصطفى نصار

شخصية ليست سهلة المنال…السنوار من الطفولة للسجن

 

بعد استشهاد “اسماعيل هنية” فى طهران، أجتمع قادة حماس للمكتبين السياسي والعسكري خلال يومين لاختيار “يحيى السنوار” قائدًا للمكتبين معًا السياسي والعسكري من داخل غزة، بدلًا من فصل المكتبين السياسي والعسكري عن بعضهما البعض، وكذلك من بعد فصل المكتبين عن بعضهما البعض وهى علامة ذكرنا دلالاتها فيما سبق.

 

 

ليترك السؤال المنطقي ما سبب إجماع الحركة على السنوار بالتحديد، والأكثر أهمية من ذلك، كيفية صك شخصية السنوار التى حركتها عوامل عدة أهمها السجن والصلابة السياسية ورغبته الجامحة فى دراسة العدو بعيون صهيونية قبل أن يواجهها ويحول استراتيجية المقاومة من الدفاع والردع للهجوم والمبادرة.

 

 

تلك العقلية التى دفعت صحف عالمية مثل فاينشيال تايمز وهارتس، للاعتراف بأن الإفراج عن السنوار كان أكبر فشل استراتيجي للكيان منذ نشأته، لتنتهي التايمز باستخلاص نتيجة هامة للغاية أن الثمن للإفراج عن تلك الشخصية سيدفع ثمنها النفيس على كل الأصعدة، وهو ما رأيناه بالفعل فى عملية طوفان الأقصى التى كلفت الاحتلال مستقبله وحاضره مع الأنظمة العربية المتصهينة.

 

 

وبغض النظر عن دلالات التعيين والاختيار، فيمكن القول أنه قرار صائب ينم عن إدراك تام وكبير بمتغيرات المنطقة التى تبدو إنها على شفا حرب إقليمية لعدة عوامل وأسباب تتعلق أولًا بتعنت الاحتلال حيال عدة ملفات أكثرها حساسية ملف الأسرى الذى لا يعيره الاحتلال أي اهتمام، والذى قُتل منهم أثنين عقب مجزرة مدرسة التابعين التى تعد من أكبر وأبشع المجازر منذ السابع من أكتوبر.

 

 

ومنها، يمكن تحليل شخصية السنوار باعتباره شخصية عنيدة صلبة، صلابته ممتدة من الصغر وأمتدت حتى فترة سجنه واعتقاله الطويلة، بل إنه حول السجن لورشة عمل لمواجهة الاحتلال لفترة ما بعد السجن، ليجعل إسرائيل تذوق الويلات، لعلمه اليقيني أن فكرة المقاومة والردع من المفكر الإسلامي “سيد قطب” الذى قرأه كاملًا مع أخاه فى المرحلة الإعدادية والثانوية من حياته.

 

 

فيحيى السنوار المولود فى 9 أكتوبر عام 1962 لعائلة مهجرة لمعسكر خان يونس الذى يعد أكبر مخيم فى العالم للاجئين المحليين، الذى ضم أكثر من 10 آلاف أسرة منهم يحيى السنوار الذى لم يخرج فى حياته كلها من غزة، والتى كونت عنده قناعة السجن، وتلك القناعة التى رفعت من روحه المعنوية وجعلته يدرس الأدب والبلاغة العربية فى سن مبكر، مع تأثره بشخصيات من الحركات الإسلامية كالإخوان المسلمين مثل “سيد قطب” و”فتحي يكن” و”عبد القادر عودة” وغيرهم الكثيرين.

 

 

تعرف أيضا علي…التوابع الكارثية للتحول الجذري للتدين الشعبي فى مصر

حتى صعد المرحلة الثانوية فى غزة و نجح بتفوق، وبعدها رفض بشكل غريب وقاطع لارتباطه العضوي بها ومعرفة أنه يمكن بناء وتشييد أشياء غرضها الأول و الأخير خدمة القضية، ودخل باندفاع الجامعة الإسلامية فى غزة لتتفوق أفعاله على تصوراته المنشودة، وأتقن كمًا من الحرف رائع مثل السباكة والنجارة والمحارة لمساعدة أهله فى الإنفاق وتغطية كفاية المنزل.

 

وبالفعل، حقق مراده ودخل الجامعة الإسلامية فى غزة، وانخرط فى العمل الطلابي الإسلامي حتى تولى رئاسة الهئية الطلابية، ووسع الجامعة الإسلامية لتضم حجر وقاعدات ومكاتب ومدرجات لتستوعب أعداد كبيرة من الطلاب، واستدعى من قبل الحاكم العسكري الصهيوني عدة مرات واحتجز عدة أخرى، ليتنهى بانضمامه لحركة حماس ويصبح من الرعيل الأول لها بعد معرفته وشهرته بين جميع الطلاب الفلسطينين.

 

 

وتقرب من الشيخ أحمد ياسين المؤسس، واقترح عليه بعد الإفراج عنه مباشرة عام 1981 إنشاء جهاز الأمن والدعوة والمعروف اختصارًا بجهاز (مجد) مع “صلاح مشتهي” و”عبد الحليم الأشقر” لمواجهة العملاء والخونة والتخلص من الخنجر المسموم، حتى أقتنع الشخص بعد إلحاح شديد بلغ حد رفضه مرتين، وبالفعل سُجن السنوار عام 1982 ومكث ثمانية أشهر فى السجن ثم سُجن مجددًا بسبب قتله لصلاح أبو المجد بتهمة قتل الفلسطينين، مخالفة لتهم الآخرين بقتل الإسرائيلين، بعد احتمالية طرده من الهيئة العليا للحركة بعد اشتباكه المسلح مع الخونة، ولكن الشيخ رفض ذلك نظرًا لاندفاعية وحيوية السنوار.

 

وبعد سجنه للمرة الثانية فى 1988 ، حكم عليه بأربع مؤبدات و25 عام سجن ليصبح إجمالي السنوات 425عام، ولكن تصميم وتخطيط السنوار وإعادة هيكلة رؤيته والمقاومة داخل العام مكنه من مساوامة الاحتلال بمنتهى الثقة والثبات الذى جعل الصهيونية “لاهات بياهات” مسؤولة سجن هارتشون وإحدى المتحكمات فى ملف السجون فى المخابرات الصهيونية قالت عنه إنه شخصية صعبة المنال صلبة عنيدة.

السجن كإعادة تكوين…السنوار يمهد للطوفان

فى كتاب الالتزام والعقاب، يخبرنا الفيلسوف الفرنسي “ميشيل فوكو” عن مدى الالتزام الصناعي الذى صكه السجن الحديث أو بمعنى آخر صناعة الالتزام عبر الإجبار والإخضاع الممنهج عبر الفترات والتقنيات السجنية التى من المفترض أنها ستدمر ذنب الجريمة التى فعلها السجين من حياته، أو بعبارة أخرى صناعة الالتزام تسهم فى تطويع السجين لجعله تحت طوع الدولة، وهو ما اعتبره فوكو وسيلة للتمرد والتركيز على الخداع والمهادنة للهروب، وهذا ما طبقه السنوار بحرفية وإتقان شديدين.

 

فعندما سجن السنوار تولى القيادة العليا للأسرى الفلسطينين، وعلم الأسرى كيفية خداع العدو والاستراتيجة فى التخزين والتبعئة بسرية وتكتم للأسلحة فى الزنانين، وكيفية مهادنة العدو حتى يحصل منه على شهادات عليا من جامعته المفتوحة فى ظل اطمئنان وراحة من العدو شخصيًا، وبهذا نجح السنوار فى تخدير الاحتلال وتمكن بإيمانه بخروجه من كتابة وتعلم اللغة العبرية كتابة ونطقًا، ومتابعة الأخبار، وتأليفه الدراسات الثقافية والأمنية عن المجتمع الإسرائيلي مثل كتاب المجد ورواية الشوك والقرنقل، حتى وصل بتقريرين من الشاباك الإسرائيلي أن يصفا السنوار بأنه شديد الاهتمام والتعمق بالعادات والتقاليد اليهودية والصهيونية بالتحديد. بالإضافة لما سبق، تمكن السنوار كذلك من توحيد الفصائل الفلسطينية داخل السجن بتقوية علاقاته ومواقفه مع “عباس السيد” رئيس كتائب عز الدين القسام و”مروان البرغوثي” أمين سر حركة فتح، ولم يخالف أسس تلك السياسة عقب تحريره من الأسر بهدف تصفير المشاكل داخل القطاع، وكذلك خارجه بمقابلته مع “عباس كامل” فى 2017.

 

وله كذلك جولات فى مواقف وأرضيات التفاوض؛ حيث كانت مفاوضات الاحتلال مع المقاومة معطلة بسبب استقلاله لعدد الأسرى المعلن عنهم مقابل جلعاد شليط، وأن هذا الأمر قليل وهزيل مقابل 1027 أسير هو من ضمنهم، وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على صبره وعناده وصموده على مواقفه رغم تأكيد الاحتلال وضباطه له أنها الفرصة الوحيدة لخروجه من المعتقل، لكنه رفض، فقاموا عقب تنقله المستمر من سجن نفحة لأريان لهوريتنهويه لعلاجه بعد إصابته بورم فى المخ بسجنه إنفراديًا لمدة عامين متواصلين من 2009 ل2011، إلى أن أُرفق اسمه لقائمة الأسرى الذى سيفرج عنهم وفقًا للصفقة مع حماس. وفى صفقة وفاء الأحرار، حُرر البطل الصامد يحيى السنوار ليتولى قيادة المكتب العسكري بعد أن أتم عمره ال 44 عام، وتزوج فى نفس عام تحريره.

 

تابعنا أيضا علي…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock