كتب: مصطفى نصار
حجة دفاعية عكسية…تبرير متهافت في وجه القانون الدولي
السبت الماضي، أصدرت الهيئة العامة لقناة السويس بيانًا لما وصفته أنه “ردًا على وسائل التواصل الاجتماعي” تبرر فيه بطريقة كأنها درست القانون الدولي وشقه البحري في جنيف السويسرية، لكن ما غفل عنه البيان أنه بتلك الطريقة يضع الهئية والمشرف على القرار بدخول السفن الإسرائيلية محل الاتهام بنفس الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها مصر نفسها، وليست مجرد مفعول بها وأداة في وسط صراع دولي بين فرنسا وبريطانيا.
فقصة اتفاقية القسطنطينية عبارة عن قصة صراع قانوني لجأت له فرنسا نتيجة امتلاكها للأسهم الكاملة في القناة لبيع الخديوي إسماعيل القناة لهم، فاحتلت مصر عقب معركة التل الكبير كما هو معروف بالضرورة لدى الأغلبية الساحقة عام 1882، ولذا عطلت سلطات الاحتلال الإنجليزي الملاحة في القناة لصالح مرور سفنها للهند وشركة الهند الشرقية، فظهرت إشكالية تنظيم الملاحة والعبور الدولي بين الامبراطويات العظمى والدول الاستعمارية التي لم تكن مصر إحداها، بل يذكر المؤرخ المعاصر لأحمد عرابي ويلفريد بل أن قناة السويس كانت إحدى أسباب التنافس الاستعماري على مصر.
فلجأت فرنسا نتيجة مزاحمة انجلترا للسباق الاستعماري البحري، واحتلال العالم، والذي وصفه مؤرخ آخر وهو العبقري “غوستاف جون فوربنيوم” بأن الاختلاف بين صدر الإسلام والأوروبيين، أن الإسلام فتح البلاد بأخلاقه أما الأوروبيين ففتحوها بالحديد والنار ونهبوا البلاد ولجأوا لأسلحة محرمة دوليًا مثل التجويع والإبادة الممنهجة والتصفية، والخطف، والإعدامات الحية، ونالت مصر جزءًا ليس يسيرًا من أكبر عمليات النهب والسرقة.
لكن بالعودة لاتفاقية القسطنطينية، فمن الجدير بالذكر أنها وقعت بين 4 دول عظمى بسبب قناة السويس، وهم الامبراطوريات العثمانية والبريطانية والفرنسية والنمساوية المجرية، التي زالت من الوجود في الحاضر وتحولت لدول ذات سيادة وفقًا لاتفاقيات جنيف 1946 و1948 وميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
وبفرض سريان تطبيقها، فإن الحق في السؤال يظهر جليًا ليعود بعدة أسئلة أهمها، طالما أرادت الجهات الرسمية التبرير، فلتختار تبريرًا لا يظهر في موضع المدين، لأنه ببساطة قد رفضت عدة دول منها أنجولا ونامبيبا ومالطا وسلوفنيا وكرواتيا وإيطاليا، وظلت السفينة تبحر قرابة الثلاثة أشهر في المياه الدولية دون أن تجد ميناء لاستقبالها، حتى استقر الأمر على موانيء لدولتين مسلمتين، وهما ألبانيا ومصر، في ميناء كريتس والإسكندرية.
أما فيما يتعلق بتنظيم الملاحة الدولية والالتزام بالاتفاقيات الدولية، فنفس الاتفاقيات تعطى للدول الحق في منع دخول أو حتى إكمال إجراءات الرسو، ولعل التجسيد العملي وجد في رحلة البارخة نفسها التي استغرقت 3 أشهر من 21 يوليو ل28 أكتوبر، مبحرة شرقًا وغربًا لمحاولة الوقوف لإكمال رحلتها لميناء أسدود بسبب تنفيذها لقوانين جنيف التي شاركت بها مصر، لكن فيما يبدو أن التزامها جاء بمبدأ الأقدمية أو سرعة إنجرافهم بدعوى التخبط والارتباك لخلق التبريرات مع عدم احتوائها إلا على أدلة إدانة فجة بعدة بيانات متضاربة أثبتها مرور السفينة ساعر5 في القناة في وضح النهار.
تعرف أيضا علي…اقتصاد الحرب في مصر وتبعاته على الحياة
سوابق رفض السفن من عهد مبارك للوقت الحاضر
ولامتصاص صدمة مبرر الجهات الرسمية، فتلك الجهات نفسها رفضت عدة مرات بشكل قاطع وصريح ملتزمة بالتوازي مع الاتفاقيات الدولية والمحلية المحددة لسير السياسات البحرية، حفاظًا على الأمن المجتمعي والقومي وأحيانًا لعدم تعطيل عمل المصالح أو الانفلات المبالغ في الحد والشدة، بمبدأ الحفاظ على التوازن السياسي والاجتماعي دون إجراءات جذرية تذكر في السياسة المحددة للدولة.
فرفضت الحكومة المصرية في عهد الرئيس حسني مبارك سفن الاحتلال منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى حتى الثانية، ومن الجدير ذكره إنه سمح بمرور الشاحنات بشكل مكثف وشبه دائم ودافع عن القضية أكثر من مرة.
وأيضًا منعه لسفينة فرنسية في عام 2007 تحمل نفايات إشعاعية أرادت الشركة الحاملة لها أن تفرغها في مصر، فتم استخدم القانون لردع السفينة ومنع دخولها وبالتالي سلكت طرق مختلفة بها عواقب أكبر.
وإكمالًا على سوابق المنع، فمنعت الحكومة أيضًا 7 سفن قطرية بحجة التهديد للأمن القومي والالتزام بالاتفاقيات الدولية، وإنما في حقيقة الأمر ما كانت إلا مبررات لموقف مصر الرسمي آنذاك من دعم المقاطعة الخليجية لقطر، دون أن تكون لها ناقة أو جملة سواء بإيرادات قناة السويس، أو زيادة التمويل بدرجة ملحوظة.
وهكذا انتقل الموقف الرسمي، لنصل لردة الفعل الشعبية التي توحدت شبه كليًا على الاندهاش وتعريض الجهات الرسمية والسلطة تحديدًا، لكثير من التساؤلات والانتقاضات.
لكن مثلما أكد الباحث الأمريكي “روبرت سيبربورج” في كتابه المعنون مصر، أن تلك السلطة تستمر للدعم الخارجي وخدمة مصالح الغير، مع إغفاله أن طبيعة تلك السلطة تتأكل ذاتيًا على فترات طويلة مستخدمة كل أدواتها البائسة لخلل في منظومة الأفكار لديها مفجرة سلسلة من عقائد الصدمات التي أوضحتها “نعومي كلين” في كتابها “عقيدة الصدمة” منتهية بانهيار حتمي إما بصدمة كبيرة متعددة الأبعاد أو تبخر ذاتي شامل مثل حالات الامبراطورية النمساوية المجرية والاتحاد السوفيتي.