مقالات

فلتسقط الحقيقة والمهنية…صناعة الإعلام الغربي وازدواجية المعايير فى تغطيات الحروب

كتب: مصطفى نصار

صناعة الإذعان فى الأوقات العادية: عقلك ملكي حتى إشعار آخر

 

تستخدم وسائل الإعلام عادة فى توصيل الحقائق والمعلومات المطلوبة للمشاهد لعدم تركه فى حيرة أو عدم معرفة، عملًا بالقاعدة المعروفة المعرفة أصل الإعلام، لكن ما يحدث غالبًا عند أي شيء فى الإعلام فى الأوقات الطبيعية محاولة الوصول لأكبر قدر من المسيطر عليهم والمغسولة عقولهم؛ لتتحول بذلك الوسيلة ذات الحقيقة الغائبة المفترض وصولها حصرًا لأداة طيعة لغسيل الدماغ بدرجات متفاوتة، مناقضين بذلك الرسالة الأساسية التى ضمنها “مارشال ماكولهان” فى كتابه مجرة جوتنبرج فى الحقيقة والمهنية وزيادة مصداقية الشخص على أرض الواقع عن طريق وسيط محايد، وفى السابق لعب الورق دورًا محايدًا فى الوصول للجمهور.

 

 

ما حدث باختصار عند اختراع وسائل الإعلام هو التجاهل التام لنظريات “ماكولهان” المعتدلة واللجوء لنظريات متطرفة وغبية هدفها الوحيد السيطرة والإذعان لتكون الدولة كأوركسترا تسير وفق نغمة واحدة متنوعة وغير ملاحظة الملل حتى لا ينفر المشاهد من أمام التلفاز ، فالنفور بداية الانهيار بالنسبة للبروباجندا لاعتمادها بالدرجة الأولى على الجذب المستمر للمشاهد بطريقة محصورة مغلقة.

 

 

إن الإعلام غير المهني أسهل وأيسر فى السيطرة عليه من الصادقين والذين يلتزمون بها باعتبارها مهنة ليست للسيطرة وإنما للإعلام وثبوت الحقيقة للإخبار بها للجمهور من دون تزيين أو زخرفة.

 

ففي الأوقات العادية والطبيعية، تسيطر وسائل الإعلام على الفرد عبر بث مغالطات منطقية هدفها تغيير أسلوب التفكير النقدي للفرد وتبدليه بآخر ذا واقع جديد، لأن العقل مصمم بالأصل لابتكار الواقع الذى يبنى عليه حياة المجتمع ولغته وحياته كلها من أول استقياظه من النوم لحين خلوده له فى آخر الليل. برزت هذه الحجة العميقة فى عهد “هتلر” وحكومة “فايمار” وطورها الفيلسوف الألماني المجنون “مارتن هايدغر” باعتبار أن هتلر الآمر الناهي فى البلاد، ويستوجب أن يكون فكر العامة كفكر القائد الملهم والزعيم الأوحد.

 

 

وتأتي القاعدة الصاعدة الثانية من البروباجندا، بصناعة نخب ثقافية مهجنة لتنتشر وتتمدد وسط العامة بلغة مموجة وسلسلة ليست حتى بالعربية البيضاء التى يتحدث بها الأفراد العاديون فى الساحة الإعلامية؛ لتتحول الثقافة لمسخ مشوه يفتقر لأصول المصداقية والشفافية والمعلوماتية، وتنتهى بذلك الدورة المرادة للثقافة الإعلامية المراد تصديرها للمجتمع لهدمه، أو بحد تعبير الدكتور “حسام أبو البخاري” الباحث فى مقارنة الأديان فى مقابلته مع “هالة سرحان” وجبة الحواوشي السيئة المليئة بالشغث والبهار المعتمد لإخفاء الأصل القبيح وغير القابل للأكل، فى تشابه مع “هيجل” حين قال أن الروح تلوث بسوء الأفكار.

 

 

إذن تخرجك وسائل الإعلام المؤدلجة من بوتقة الاعتدال الفكري والاختلاف فى الرأي؛ لتحول الناس لديكة تتصارع من أجل نصر زائف يرضي تفاهتهم وآمنهم المزيف فى السياق المحلي والإقليمي، ومن ناحية أخرى تضمن بذلك استمرار الانشغال والإلهاء فى المستوى المادي من المنظومة الفكرية الكفيلة بتدمير مجتمعات وتقويض أسسها بالكامل.
أما المنظور الدولي، فالإعلام يتعمد التضليل والتعتيم بطريقة تجعلهم يقولون لك “عقلك لنا حتى اشعار آخر”، حتى أن مراسلي الحرب لم يعرفوا بشأن الحرب العراقية الإيرانية إلا من الإعلام المرئي.

 

تعرف أيضا علي…التحول الكبير من فطرية الحياء للرقص على الملأ

صناعة الإذعان وقت الحروب…موت الحقيقة وقصف العقول

 

فى حرب الخليج، سُئل مراسلي الحرب عما يدور فيها من بعض المعلومات لإكمال التغطية والاطمئنان التام لسريان مجريات الحرب، لكن ما يثير الغرابة عدم متابعة المراسلين أنفسهم للحرب، وانتظارهم للإعلام المرئي ليوفر لهم المعلومات نظرًا لما اسموه بالنقص أو الخلل التغطيتي، أي أنهم يكذبون عيونهم على حساب تغطية ل”سي إن إن” أو بتعبير “جي إي بروان” الإنغلاق الشامل وعدم تصديق الواقع إلا من الأخبار لإنه بالتأكيد قاصر وأهوج ولا يعي جيدًا ما يقوله خشية التعرض للعقاب أو السجن أو الفصل مثلما حدث مع “كريس هيدجيز” فى عام 2009.

 

 

ربما يستطردك سؤال هام فى هذا الصدد، ويدور حول مصداقية ومعقولية الأخبار من وسائل الإعلام فى أوقات الحروب، أليس أولوية أن تغطي الحرب بكل تفاصيلها وتعقيداتها وتقف موقف الحياد مع الكل، وتكف عن الكيل بمكيالين فى الحرب لحاجة الضحايا لهم ومحاسبة المجرمين، وتأتي الإجابة فيما أجاب عنها البروفسور “فيليب تايلور” حينما استطرد فى تاريخ الدعاية الحربية منذ عصر اليونان والرومان حتى عام 2001 وما سمى بالحرب على الإرهاب، ليخرج باستنتاج حيوي الذى يجزم جزمًا يقينًا بأن الإعلام فى وقت الحروب مصمم لقذف العقول والتركيز على نوع وجنس الضحية؛ فإذا كانت بيضاء شقراء وغير مسلمة فهي ضحية تستحق التأمل والاستعطاف وإضفاء الطابع البطولي والمقاومتي عليها، وأما بالنسبة للضحايا الآخرين فهم بذلك “أضرار جانبية”.

 

 

ولإضفاء التمرير السريع للخبر تُستخدم ألفاظ اعتيادية باردة مع الضحايا من غير الأوصاف والسمات السابقة، مثلما فعلت الوسائل الصحفية الأمريكية مع الهندوراس وبولندا؛ فبولندا الشيوعية مرر خبرها فى سطرين مقتضبين مع استخدام فعل قتل بصيغة المبني للمجهول، بينما استخدم فعل اغتال مع ذكر المغتال ووصف طويل كامل للأداة وعملية القتل كاملة مع مكان الدفن بالرغم من تفادي مبدأ اللإنسانية الملزم للصحف والمضمن فى وثائق ومواثيق العمل الصحفية وغيره لما تأتي بشأن الأخبار الحساسة والدموية مثل الانتحار والاغتصاب وخلافه.

 

وهو ما استخدم بكثرة مبالغة فى التغطية الإخبارية فى حرب غزة عندما يتعمدون ذكر الخبر المتعلق بالفلسطينيين مع فعل قتل فيما يقابلها الاهتمام المفرط والموجه لقتلى الصهاينة.

 

 

وفى كتابهما المراجعي فى هذا الصدد تصنيع الموافقة، يطرح المفكر “نعوم تشومسكي” والاقتصادي وناقد الإعلام “ادوارد هيرمان” نظرية الموافقة التى تؤكد على الاختلال والتناقض فيما يصدر منهم تحت استخدام المسيمات المختلفة. فعلى سبيل المثال، إن قتلت الولايات المتحدة فى الغزو العراقي أكثر من 5 مليون عراقيًا فهي تكلفة طبيعية أو نتيجة حتمية لتطهير العراق والمنطقة من الإرهاب، وبالطبع تستخدم القوانين لإعلان حالة الطوارئ فى دول الطوق تحت ذريعة الحرب لما لها من هيبة فى الصدور، وأما إذا قتلت فقط 70 ألف من المقاتلين الأمريكان فهو إما نتجية الفشل العسكري أو التراخي فى الاستعداد لمواجهة أولئك البرابرة الذين يودون احتلال العالم!!

 

 

فتلك الأمثلة غير محدودة من حيث العدد والكيفية التى تصاغ بها الأخبار فى الدعاية الحربية على نطاقات ضيقة غير واسعة بالضرورة، لما فيه من تناقضات وتبريرات تبدو واهية وساذجة، لا تمرر على أحد حتى الأطفال الصغار لإن ما تحتويه السياقات الكبرى من حروب عالمية ومحكمات كبرى لغاية معسكرات الاعتقال النازية من هيكل تبريري منطقي هو بعينه الجنون والخبل الممزوج بالاستغباء المتعمد فقط لتنفيذ نظرية القطيع الضال ل”والتر لبيرمان” كما حدث مع النازية وتلاميذ الفيلسوف الأمريكي “جون ديوي” البراجماتي الهجومي للدولة والولايات، ليضحى تلاميذه من بعده زمرة من الساسة عديمي الضمير وغاسلي عقول بدرجة أستاذ جامعي كما سنرى.

 

مرحبًا فى القطيع الضال…التغطية الاعتباطية لجرائم النازية وصناعة أسطورة الهولوكوست

 

عندما قامت الحرب العالمية الأولى، أشيع على يد وزارات الإعلام الخاصة بالحلفاء مثل بريطانيا وفرنسا وروسيا، بحبك القصص الجيدة لإضفاء الطابع الوحشي والدموي على ألمانيا النازية فى ذلك الوقت، بأنهم قطعوا رؤوس أطفال الإنجليز واغتصبوا نساء البلجيك فى أثناء الغزو الألماني لبلجيكا، حتى وصلت بالكاتب والمخرج “جون هولاندر” بالتشنيع فى الميديا النازية والأوربية فى ذلك الوقت بمساواتهما ببعض كليًا لتشاركهما فى الأغراض والأهداف بشكل مريب، فأي هدف يشترك فى الأوربين هدف وجودي حتى لو كانوا مختلفين كالقطبين الشمالي والجنوبي مع ثباتهما الطويل على الشائعات ليصدقها وتصبح متدوالة.

 

 

ولا يختلف هذا كثيرًا عن حرب غزة التى كذبت وسقطت فيها وسائل الإعلام الغربية أخلاقيًا لدعمها المطلق فى بادئ الأمر للأكاذيب الخاصة بقطع رؤوس الأطفال التى أعترف بها مبتكرها الجندي “اسحاق باروخشتين” لغاية عدم ذكر السبب الذى قتل به الطفل “محمد بهار” المصاب بالتوحد والذى نهشه كلب الاحتلال فى بيته، وهو يحكي له جملته المؤلمة “خلص يا حبيبي”. وهو ما يدفعنا لتذكر الحملة الشنيعة الذى قام بها السفاح “باروخ جولديتشن” فى مجزرة الخليل فى اقتحام الأقصى عام 1991 من تمجيده فى الكيان الصهيوني، ومحاولة تصويره فى الإعلام الغربي على إنه مختل عقليًا دفعه مرضه الذى يصارعه لقتل أكثر من 1500 شخص فى أقل من ساعتين.

 

تابعنا أيضا علي..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock