صفقة مشبوهة تحوم حولها العديد من الأسئلة: دلالات صفقة بيع منجم السكري
كتب: مصطفى نصار
الصفقة الثلاثية الرابحة للمشتري
استحوذت شركة جولد أنجلو أشانسي جنوب الأفريقية على منجم السكري بشراءه من شركة سنتامين الإيطالية التي بدأت تشغيله و تقسيم الأرباح مع الهيئة القومية للثروة المعدنية منذ عام ١٩٩٤م مقابل مبلغ هزيل يبلغ ٢،٥ مليار دولار و الذي يعد أمرًا عجيبًا ولا يبرر وفقًا لمحللين مثل الدكتور سعد عبد العزيز أستاذ علم الاقتصاد في الجامعة الأمريكية في القاهرة.
فالتعجب الخاص به جاء في محله لاعتراضه أولًا على المبلغ الذي لم يصل لعشر قيمة المنجم التي تبلغ ٢٧ مليار دولار ، و عدم تشغيله محليًا بهدف الاستفادة منه و تصدير الذهب للخارج، و هذا لم ينأ بالشبهات التي حول الصفقة بامتلاك إسرائيل لنسبة تترواح من ١٠: ٣٠ %من أسهم الشركة التي ربحت كنزًا بمقابل زهيد .
والمثير للربية حيال تلك الصفقة أنها الصفقة الثالثة لتصفية و بيع المنجم إما لصالح جهات داخلية أو جهات خارجية . و ذلك حدث مرتين المرة في ١٩٩٣حينما استولت عليه شركة سنتامين الإيطالية بموجب عقد وقعته مع الهئية القوميةللثروةالمعدنية ، أما المرة الثانية فسيطرت عليه شركة شلاتين للتقنيب التابعة لجهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة بوضع اليد ، و الوضع مشابه بتكرار رتيب مع بقية مناجم مصر البالغ عددهم الأربعة و ستين منجم مما يطرح سؤالًا يتعلق بالمستفيد و العوائد و احتمالات النهب الممنهج و الفساد.
وجاءت الصفقة الثانية المعقودة عام ٢٠٠٦ كالآتي :حصول سنتامين على ٦٠%من الأرباح المتمثلة في العائدات و الباقي ٤٠%يذهب لشركة شلاتين للتقنيب، مما يطرح جدوى الصفقة على طاولة التساؤلات حول التهريب و التسييل و المستهدف الحقيقي من الذهب وقتها ، و عندها لم تصدر الحكومة أي ردة فعل سوى الاندهاش و التعجب و قول العبارات الفضفضة .
وبالعودة لاعتراض دكتور سعد ، نجد أنه من الجدير بالذكر حينما يذكر منجم السكري ، فإنه يعتبر بذلك من أكبر مناجم العالم من حيث قيمته الذهبية و مساحته الضخمة التي تضم ٥٤٦ ألف أورقية ذهبية تكفي للتصدير و الاكتفاء الذاتي في العديد من الصناعات الخفيفة على الأقل مثل الأجهزة الرياضية ، و كأن المناجم و الثروات المصرية حكرًا على الأجانب و الشركات الكبرى .
و كما تشابه ردة فعل حكومتي أحمد نظيف و دكتور مصطفى مدبولي في الاندهاش ثم ضمان حفظ حقوق مصر في عبارات خبرية جوفاء تحمل الشك و الريبة أكثر من الثقة في القدرة على الوفاء ، فباتت الحكومة هكذا آخر من يعلم بشأن الصفقة ، مثل حكومة نظيف التي هدأت و خدرت في كثير من الملفات متضمنة كذلك صفقة المنجم الثانية عام ٢٠٠٦ م التي تمت في سرية تامة آنذاك ، التي لم تم كشفها للعلن لقاموا عن بكرة أبيهم .
مما سبق ، تأتي هذه الصفقة لتكون في النهاية صفقة مشبوهة ليس فقط في تفاصيلها المتضمنة تقاسم الحصص بين الشركة الجديدة(جولد أنجلو أشانسي )و شركة شلاتين بنسبة متساوية ٥٠% ، و تخارج شركة جولد أنجلو من السوق جنوب الأفريقي، مما يترك انطباعات بمدى تورط قوى إقليمية أخرى في الصفقة ليتحول السكري من منجم مصري لمنجم منهوب لأطراف متعددة ، كما كشفت صحف عالمية عقب ثورة يناير ٢٠١١ عن تورط إسرائيل في تهريبه في عهد مبارك لكندا و أمريكا لشركات محددة للاستفادة منه منها بلاك روك الذي يساهم فيها بنسبة تتراوح من ١٠ ل٣٠ %، مما يسهم باحتمالية تهديد وجودي للمنجم اختفى ثم عاد مجددًا.
تعرف أيضا علي…الإمارات تنضم لدعوة المصرية القطرية الأمريكية لوقف إطلاق النار بغزة
تدخلات إقليمية ذات مصلحة شخصية: الإمارات و إسرائيل شريكيان في منجم السكري
يمتلك الشركة الفرعية جولد أنجلو أشانسي رجل الأعمال الصهيوني يوجين تشيلك الذي أعلن أن الصفقة رابحة لدرجة أنها اضطريت الشركة الأم و هي شركة أمريكية لها العديد من أنشطة التعدين في العالم مثل الفضة في الارجتنين و كذلك الذهب في القرن الإفريقي و النحاس في كولومبيا كما المناجم البنينة في غانا على سبيل المثال.
ونشرت جيزاليوم بوست تقرير عام ٢٠٠١ معلومات عن مؤسس الشركة الأم في أمريكا و يدعى إرنست أوبنهايمر ، و قد أسس الشركة نظرًا لشرائه أرض من الماس السطحي في أمريكا في يونيه ١٩٨٩، وتوسعت بعد ذلك لتدخل في بورصة لندن وجوهانسبرج للأوراق المالية و الأسهم.
وفقًا لتقرير الصحفية ذاته، فإن الجد والحفيد نيكي أوبنهامير أشد المؤيدين للكيان الصهيوني في سياسته الراعنة و الوحشية و له دور في تمويل المغتصبات وتشجيع المستثمرين الصهاينة لمشاركته في شركته.
وكما أسست الشركة بالتعاون مع شركة دبي للتعدين في يونيو ٢٠٠٩ برنامج للشرق الأوسط لتولية موضوع التنقيب و التعدين للذهب و كان منجم السكري على رأسها بالطبع، مع مشاركة فعلية لشركة دبي للتعدين بأسهم في هذا الشركة بنسبة تتراوح بين ١٠:٤٠% .
وفي يوليو ٢٠١٦ ، أجرت وزيرة الاستثمار السابقة سحر نصر مقابلة مع عبد الله بن سعد مسؤول الموارد في شركة دبي للتعدين و عقدت خطوط عريضة للصفقة المبرمة من يوم الثلاثاء الماضي ١٠ سبتمبر ، أي أن الصفقة مخطط لها مسبقًا من عدة سنوات .
فإن التدخلات الأجنبية بذلك يجعل المنجم في حالة خطر و تهديد ليس فقط على سرقته و تسييله و شحنه للخارج ، بل أيضًا على مفهوم الأمن القومي الجيولوجي الذي يلزم أي دولة طالما تعرضت للتهديد فيه بالدفاع عنه ، و التصدي لأي اعتداء محتمل .
حل مفقود وذهب منهوب كما هو المعتاد…أسئلة الأمن القومي ترجو إحيائها مرة أخرى
في كتابه تعريف الأمن القومي مقدمة بينية ، يضع لنا أستاذ العلاقات الدولية و السياسية جوزيف بونتام تعريف للأمن القومي بأنه كل شيء يهم الدولة ككيان سياسي و شعبي . باختصار لقد جعل أمن الدولة عدة فروع يبدأ من أول الاجتماعي مرورًا بالجيولوجي و انتهاءً بالمائي و الغذائي، و لم يقلل من قيمة الأمن العام المنتظم ، و إنما اعتبره نتيجة حتمية إن ما تحقق الأمن القومي بكافة تفاصيله.
لكن مثلما أكد الدكتور عمار علي حسن أستاذ علم الاجتماع السياسي في مقابلته مع مذيعة البي بي سي أن مفهوم الأمن القومي في مصر مقصور على الأمن البولسي لحماية فئة لا تتخطى نسبتها ٥% ، في مقابل سيل من التهديدات الجلية للأمن القومي بكافة أنواعه من ناحية الحدود الشرقية و الغربية ووصولًا لداخل الحدود نفسها متمثًلا في تهديد الطبقية و تطبيق قوانين ستحيل المجتمع لحالة الغابة المتوحشة.
و هذا ما يتطلب من كافة الأطراف المعينة بالتعاون و التكاتف للسؤال الطبيعي و المنطقي عن معنى الأمن و إنقاذ ما يمكن إنقاذه ليس فقط في موضوع منجم السكري بل في كل الملفات المهددة لوجود مصر و استقرارها. و هذا الجهد يتطلب الطاقات البشرية و العقلية و البدنية و التوحد على أساس واضح غير مشوه أو مشوش و عدم التمسك الأعمى بالمصالح و الأيدولوجيات البالية من أجل فهم الواقع أولًا و من ثمة إنقاذه بصورة منهجية تبنى ولا تفرق و ترجعنا لنقطة الصفر مرة أخرى.