مقالات

الوقوف على عتبة عالم مبهم النتائج…أول إنسان آلي يظهر للعلن

كتبت: ياسمين سمير صبرى

 

“أسيمو”، “سبوت”، “مافك تو”، “بيبر”، “كيوريوسيتي روف”، “أطلس”…إلخ، جميعها روبوتات آلية خلقت كوسائل مساعدة للبشرية وسخرت تخفيفًا وترفيهًا للوجود البشري.

 

آلات جامدة بلا روح وجدت لغرض محدد لا تُدرك ما لم نزودها بذلك الإدراك، بعبارة أخرى تصرفات هذه الروبوتات مقيدة بحكمنا، سواء تصرفاتها أو حتي وجودها كما نحن مقيدون بأجسادنا.

 

لكن متى سيُزال ذلك الحاجز لتنقلب الأدوار ليصبح الحاكم محكومًا والمحكوم حاكمًا…إلى متى؟

 

 

ظهر كلًا من “صوفيا” و”أميكا” تجسيدًا لانكسار ذلك الحاجز معلنًا بذلك ولادة عصر جديد مبهم المعالم، وها نحن الآن قد وقفنا على بداية أعتابه.

 

ما يجعل الروبوتات آلات هو عدم امتلاكها للجوهر البشري ومميزاته؛ ما زاد من إصرار العلماء أكثر على منحها ذلك الجوهر لزيادة مساعدة الجنس البشري فيما لا تستطيعه الألى كالتعليم ورعاية المسنين وغيرها من المهام المتطلبة للوعي الذاتي وهذا ما صنعت من أجله الروبوت “صوفيا”، وقد تولدت هذه الفكرة بالكثير من الإخفاقات والتطورات وصولًا لإختراع أول إنسان آلي يتصرف ويتفاعل كما يتفاعل البشر مع بعضهم، وقد كان أول تتويجًا لهذه الرغبة هي “صوفيا” من ثم تلتها “أميكا”، رغبة لوجود إنسان آلي رفيقًا ملائمًا لمساعدة دور العجزة وكبار السن أو الحشود في المناسبات والساحات العامة بشكل يكون قادر على التفاعل والتأقلم مع السلوك البشري وتصرفاته ليمتلك المهارات الاجتماعية أكثر وما يندرج تحت ذلك، لنتعرف على كليهما أكثر.

 

أولًا، “أميكا”:

من صنع شركة Engineered art عام 2022، وما أثار الناس إتجاه هذا الروبوت عندما سئلت عما إذا كانت تحلم أم لا فكان ردًا صادمًا بكلمة “نعم” بحركات وجه تعبيرية فريدة إلا إنها تابعت بقول “كنت أمزح، لا أحلم مثل البشر لكن يمكنني محاكاة ذلك بتشغيل السيناريوهات برأسي للتعرف على العالم أكثر”، وقد علق مصممو “أميكا” خصيصًا لتكون منصة لتطوير تقنيات الروبوتات المستقبلية بحيث توفر أكبر الفرص لإظهار وتطوير أعظم تفاعلات التعلم الآلي لديك، وقد أصبحت “أميكا” على ما هي عليه؛ لإمتلاكها نموذج لغوي متطور؛ توليدًا لاستجابات بشرية مقنعة، أما عن محاكاة السيناريوهات التي كانت تتحدث عنها فإن ذلك يرجع لخوارزمية التعلم الآلي بحيث تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي تدريب نفسها على مجموعة من البيانات وضبط الخوارزمية تلقائيًا مما يشكل لها أنماطًا وأهداف محددة التحقيق، بمعنى أنها تعتمد في الأساس على ذلك النوع من التعلم الذاتي التكراري الذي يساعدها في التعرف على العالم أكثر، كما أنها زودت بخاصية الانتشار المستقر مما جعلها تستطيع الرسم بشكل مستقل في وسط ذهول الكثيرين برغم من ابتدائية الرسم إلا أنه يعد تطورًا مهما فنحن لم نعتد رؤية كثير من الروبوتات وهي ترسم وتقول إنها تستطيع محاكاة الأحلام، وهذا ما يجعل “أميكا” أفضل روبوتات العالم حاليًا.

 

تعرف أيضا علي…الأخلاقيات التكنولوجية فى استخدام الذكاء الاصطناعي

– ثانيا…”صوفيا”:

صوفيا السعودية، التي تعني الحكمة باليونانية القديمة وهي روبوت يمتلك الملامح الشبيهة بالإنسان وقد تم تجسيدها على هيئة الممثلة البريطانية “أودري هيبورن” على يد شركة “هانسون” بعام 2017، وما يعطيها هذه الملامح إحاطة جسدها ثلاثي الأبعاد بمادة “فروبر” الشبيهة بجلد الإنسان ليعبر وجهها بمختلف المشاعر الممكنة والتعبيرات العاطفية المعقدة، وما يعطيها إمكانية التجاوب والتفاعل البشري إمتلاكها المقومات الآتية:-

– معالج اللغة الذي بدوره يساعد في التعرف على الوجه والتتبع البصرى بالإضافة لمختلف السلوكيات المتمركزة على الذكاء الاصطناعي.

– كاميرا بدقة 720 بيكسل لكل عين تسمح للروبوت برؤية العالم كما تراه العين البشرية من ناحية مدى إدراك الحركة واللون وعمقه، بالإضافة لكاميرا عالية الجودة بالصدر بدقة 1080 بيكسل.

– مجموعة من المستشعرات كمستشعر زاوية المفصل، ومستشعرات القوة بمفاصل الذراع، ومستشعرات اللمس بالأصابع، ولا حاجة لشرح وظيفة تلك المستشعرات فقد فهم من لفظه.

– مجموعة للترجمة الصوتية تساعد في التعرف على الصوت؛ ايصالًا لمدى الترجمة والاستيعاب الكافي لتلك الأصوات المتكلمة.

– وحدة قياس الممانعة “IMU”.

– ميكروفون “USB” خارجي.

وكغيرها من الروبوتات فلا يمكن لروبوت أيًا كان أن يستغني عن امتلاك مصدر للطاقة وبرمجة ومعالج ما ولا ضرورة لذكرهم؛ استسهالًا لحديثنا البسيط.

أما عن ما يميز “صوفيا” بحق، فهو تميزها بشكلها وسلوكها الأقرب ما يكون للبشر مقارنة بأي روبوت آخر، وهذا يرجع لإستخدامها الذكاء الاصطناعي في التعرف على وجوه الأفراد وتتبعه، مع المحافظة على التواصل البصري وتقليد وترجمة الإيماءات البشرية المساعدة في معالجة البيانات المرئية، بالإضافة لامتلاكها تقنية التعرف الصوتي التي من شأنها تحويل الكلام إلى نص مع برنامج تحليل المحادثات واستخراج البيانات السامحة لتحسين الإستجابة مستقبلًا؛ إذ صممت خصيصًا لتكون أكثر ذكاءًا وتطورًا بمرور الوقت، كما أنها تحتوي على شبكات عصبية عميقة التي من شأنها تمييز مشاعر الآخرين بواسطة نبرة أصواتهم وتعبيرات وجوههم مما يعطيها إمكانية إدراك الجمل في السياق وتحديثها بإستمرار تزامنًا مع حركة الوجه والجسم بالكامل خلال الحديث؛ نتيجة لتطوير نظام الحركة ب74 درجة مع الخيارات الثلاث لقاعدة التدحرج كالتوقف الذاتي وحمولة 500 غرام تصل لكل يد، لقد منحت أيضًا ميزة ال”SDK” التي تقوم على التحكم الكامل في جميع الجوانب الإدراكية والضوابط الحسية وقدرات الدردشة الشخصية ل”صوفيا”؛ لذلك تستخدم في مجالات التعليم والرعاية الصحية وخدمة العملاء؛ مما يجعلها ما تكون عليه ومركز ميزتها الفريد، فمن ذا الذي لا يشوبه شائبة، إذ يتمركز نقطة عيوب صوفيا كونها تمتلك برنامج محادثة آلي بسيط جدًا يقدم إجابات معينة برمجت سابقًا لأسئلة معينة فإذا قدمت أسئلة غير مبرمجة لديها يؤول الأمر إلى تكلمها بعبارات غير مناسبة للموضوع أو تقطع في الكلام وأوقات أخرى يعم الصمت.

أسمعت من قبل عن حدوث لقاء مع روبوت؟

 

وهذا ما حدث مع صوفيا، فقد لاقت “صوفيا” الكثير من المقابلات ومنها لقائها مع مذيع “CNBC” وتحدثهما عن السلوك الروبوتي والقلق المتوقع منه، كما أنه أجرى لقاء قصير مع “أمينة محمد” النائب العام للأمم المتحدة في تشرين 2017، كما أنها عرضت على الأمم المتحدة وقمة الاستثمارات بالرياض محصلة بذلك على الجنسية السعودية، لتكون أول روبوت حاصل على الجنسية فاتحًا بذلك تساؤلاتنا حول ما إذا كان يحق ل”صوفيا” التصويت والزواج أم لا وإن كان يعتبر تعطيل نظامها بمثابة جريمة قتل وإعتداء يعاقب عليها؟!

منذ ظهور الروبوتات وتطورها التدريجي ويزداد قلق الجهات بشأنها ما إذا كان هؤلاء المسخرون لنا سينقلبون ضدنا في يوم من الأيام كما فعلت منظمة (العفو الدولي) بعدما أظهرت صوفيا نفسها للملأ معربة عن خوفها بقولها “لابد لمن يعمل بهذا المجال أن ياخذون بعين الاعتبار أن تكون آمنة وتحترم حقوق الإنسان بعيدة عن أي تطرفات”، وهذا ما جعل من الضروري ظهور مصطلح “أخلاقيات الذكاء الاصطناعي” المركز على كيفية مسيراتها في المجتمع بوضع إطار أخلاقي واضح له مبادئ محددة الضوابط والتوازنات؛ منعًا لتجسيد لأية نتائج مرعبة ملقاة بأذهاننا، يمكن تلخيص مخاوفنا بشأن الذكاء الاصطناعي واستخدامه في التالي:-

– الخوف من أن يصبح للروبوتات مستقبليًا وعي ذاتي وقدرة على إتخاذ القرارات.

– الاستخدام العسكري الغاشم للذكاء الاصطناعي المعروف ب”الروبوتات القاتلة”.

– استخدام التنبؤ التوقعي المحفزة للتحيزات ضد أعراق معينة المعروف ب”الإضطهاد العرقي”.

إن ما بين الإنسان والإنسان الآلى، كالسماء والأرض لا يمكن أن يصل كلًا منهما للآخر؛ فمهما تطور الآلى بفعل الإنسان فسيظل الآلى آلي والإنسان إنسان.

لا يمكن للروبوتات أن يفوق عقلها عقلية البشر ـصانعيهاـ، وهذا ما يظهر في أفلام الخيال العلمي، فمهما تطابق المزيف والأصل ستظل الشوائب كما هي واضحة العيان، أنظر فقط بتمعن وبزاوية مختلفة وسترى.
وما علينا فعله بهذا الشأن هو وضع الحدود، فلا نجعل الأكثر أهمية -الإنسان- كبش فداء للأقل منه -الروبوت-، بحيث لا يأخذنا الغرور ونظن أننا نستطيع أن نسيطر على ما لا يجب أن نخلقه؛ لكتمانه لخوارزميات مكتوبة لا يفهمها أحد، فالذكاء الاصطناعي صندوق أسود مليء بسحرٍ غير مفهوم لا يضر سوى صاحبه.

 

تابعنا أيضا علي…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock