العلاقات المصرية الإماراتية بين التطور الاستراتيجي والتعاون الثقافي والتعليمي
كتبت: ميرفت مصطفى
يعد التعاون الثقافي والتعليمي بين مصر والإمارات أحد أبرز النماذج المضيئة في العلاقات الثنائية العربية، حيث يجسد هذا التعاون رؤية استراتيجية مشتركة لتحقيق التنمية المستدامة وصقل الهوية الثقافية للأجيال القادمة.
الجذور التاريخية للتعاون المصري الإماراتي
يعود التعاون بين مصر والإمارات إلى العلاقات الوثيقة التي أرساها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله- والرئيس المصري جمال عبد الناصر، حيث شهدت هذه العلاقة تطورًا على جميع المستويات السياسية والثقافية والتعليمية.
الأطر القانونية والاتفاقيات
هناك العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات الموقعة بين البلدين، مثل:
– اتفاقية التعاون التعليمي (2015):
تركز على تبادل الكفاءات والخبرات بين الجامعات والمدارس.
– اتفاقية النشر الثقافي (2017):
تهدف إلى نشر الكتب العربية وتعزيز صناعة النشر في البلدين.
تعرف ايضا علي…شروط السفر إلى إيطاليا من مصر
محاور التعاون الثقافي والتعليمي
1. المجال الثقافي:
يشهد التعاون الثقافي بين البلدين نشاطًا مكثفًا يتمثل في تنظيم الفعاليات الثقافية، مثل معارض الكتب والمهرجانات الفنية والندوات الأدبية، ومن أبرز هذه الفعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب ومعرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث يشارك الجانبان بشكل متبادل في إثراء المحتوى الثقافي وتبادل الخبرات.
2. المجال التعليمي:
التعليم يمثل أحد المحاور الرئيسية لهذا التعاون، حيث وقعت العديد من الاتفاقيات الثنائية لتطوير المناهج الدراسية وتبادل الخبرات الأكاديمية، كما تم إطلاق برامج للمنح الدراسية للطلاب المصريين والإماراتيين لتعزيز التبادل الثقافي والتعليمي بين البلدين.
3. التكنولوجيا والابتكار في التعليم:
في ظل التوجه العالمي نحو التحول الرقمي، تعمل مصر والإمارات على تطوير المشاريع التعليمية القائمة على التكنولوجيا، مثل إنشاء منصات تعليمية رقمية وتطبيقات تفاعلية تهدف إلى تحسين تجربة التعلم وتعزيز قدرات الطلاب.
الأهداف المشتركة
ومن ضمن الأهداف المشتركة لكلا البلدين:
– تعزيز الهوية العربية:
تسعى البلدان إلى الحفاظ على الهوية الثقافية العربية من خلال التعليم والأنشطة الثقافية المشتركة.
– بناء كوادر مؤهلة:
عبر تقديم برامج تدريبية وتطويرية للمعلمين والمختصين في قطاع التعليم.
– تطوير البحث العلمي:
من خلال دعم المبادرات البحثية المشتركة بين الجامعات المصرية والإماراتية.
نماذج بارزة من الشراكة
– جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي:
تضم برامج دراسات عليا متقدمة وموجهة للتعاون مع الجامعات المصرية لتعزيز البحث العلمي.
– برامج التبادل الطلابي:
مثل برنامج تبادل الطلاب بين الجامعات المصرية والإماراتية، والذي يهدف إلى تبادل المعرفة والثقافات.
– دور الأزهر الشريف:
الأزهر الشريف، باعتباره مركزًا تعليميًا عالميًا، يستقبل العديد من الطلاب الإماراتيين لدراسة العلوم الإسلامية.
المبادرات الثقافية المشتركة
– بيت العود العربي:
يعتبر من المبادرات الثقافية المميزة التي انطلقت في الإمارات بدعم مصري، ويعمل على الحفاظ على التراث الموسيقي العربي.
– عام الحوار الثقافي الإماراتي المصري (2019):
تم تنظيمه لتعزيز الفهم الثقافي المشترك عبر أنشطة وفعاليات متنوعة.
إسهامات معرضي الكتاب في مصر والإمارات
كلا البلدين يوليان اهتمامًا كبيرًا بمعارض الكتب الدولية، والتي أصبحت منصات للتبادل الثقافي وترويج الأدب العربي عالميًا.
على سبيل المثال:
– معرض القاهرة الدولي للكتاب:
حيث كانت الإمارات ضيف شرف في عدة دورات.
– معرض الشارقة الدولي للكتاب:
الذي يبرز التراث الثقافي المصري كل عام من خلال ندوات وفعاليات تشارك فيها رموز الأدب المصري.
رؤية “مئوية الإمارات 2071” ومصر 2030
يتماشى التعاون بين مصر والإمارات مع رؤية كلا البلدين المستقبلية، حيث يتم التركيز على التعليم والبحث العلمي كركائز أساسية للتنمية المستدامة.
1. المبادرات التعليمية والبحثية الحديثة
– مشاريع الذكاء الاصطناعي والتعليم الرقمي:
الإمارات تعد من الدول الرائدة في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعليم، وهناك تعاون مع الجامعات المصرية مثل جامعة القاهرة وجامعة عين شمس لتطوير برامج تعليمية رقمية ومبادرات بحثية مشتركة.
– المراكز البحثية المشتركة:
تم إطلاق مبادرات لإنشاء مراكز بحثية مشتركة بين البلدين لدراسة قضايا التنمية المستدامة، التعليم، والطاقة المتجددة.
2. الدور الدبلوماسي الثقافي
– المراكز الثقافية:
يمكن تسليط الضوء على إنشاء مراكز ثقافية في كلا البلدين تهدف إلى نشر اللغة العربية وتعزيز التراث الثقافي، مثال: “مركز زايد الثقافي” في مصر، الذي يعزز التبادل الثقافي بين الشعبين.
– برامج تعليمية متخصصة للطلبة الدوليين:
تقديم منح دراسية مصرية للطلبة الإماراتيين في مجالات الطب والهندسة، ومنح إماراتية للمصريين في مجالات الابتكار وريادة الأعمال.
3. الفعاليات المشتركة لتعزيز اللغة العربية والتراث
– تنظيم جوائز أدبية مشتركة مثل “جائزة الشيخ زايد للكتاب” و”جائزة نجيب محفوظ”، التي تكرم المبدعين العرب.
– التعاون في الحفاظ على التراث العربي الإسلامي: يتعاون البلدان في مشاريع ترميم الآثار الإسلامية وتوثيق المخطوطات التاريخية.
4. التعاون في الإعلام والثقافة الجماهيرية
– هناك تعاون واضح في الإعلام المرئي والمسموع، حيث تعمل وسائل الإعلام في البلدين على إنتاج برامج ثقافية وتوعوية مشتركة مثل الأفلام الوثائقية التي تتناول التراث المشترك.
– الانتاج الدرامي المشترك:
ظهور مسلسلات وأفلام بمشاركة فنانين من مصر والإمارات يعزز التفاهم الثقافي بين الشعوب.
5. دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في التعليم والثقافة
– يتم التركيز على رواد الأعمال الشباب الذين يطلقون مشاريع تربط بين التكنولوجيا والثقافة، مثل تطبيقات تعليمية باللغة العربية أو منصات لقراءة الكتب الالكترونية.
6. مساهمة الجالية المصرية في الإمارات
– وجود جالية مصرية كبيرة في الإمارات يلعب دورًا محوريًا في تعزيز التبادل الثقافي والتعليمي.
العديد من المعلمين المصريين يعملون في المدارس والجامعات الإماراتية، ويساهمون في تطوير قطاع التعليم هناك.
7. التعليم الفني والتقني
– اتفاقيات لتطوير التعليم الفني بين البلدين، حيث يتم تبادل الخبرات في مجالات مثل الهندسة الميكانيكية، الطاقة المتجددة، والبرمجيات.
8. مواجهة التحديات العالمية المشتركة
– البلدين يعملان معًا على مواجهة التحديات التي تؤثر على التعليم والثقافة في المنطقة، مثل محو الأمية الرقمية، تعزيز الوعي البيئي، ومكافحة الفكر المتطرف من خلال المناهج التعليمية
النتائج والآفاق المستقبلية
أسهم هذا التعاون في تحقيق انجازات ملموسة، مثل زيادة عدد الطلاب المبتعثين، وارتفاع مستوى جودة التعليم، وتعزيز التفاهم الثقافي، وفي المستقبل، من المتوقع أن تتوسع هذه الشراكة لتشمل مجالات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي والابتكار في التعليم.
التعاون الثقافي والتعليمي بين مصر والإمارات ليس مجرد اتفاقيات عابرة، بل هو استثمار طويل الأمد في الإنسان العربي، حيث يضع التعليم والثقافة في مقدمة الأولويات لتحقيق نهضة حقيقية.
يظل هذا التعاون نموذجًا يحتذى به في تعزيز العلاقات العربية-العربية، بما يسهم في خلق مستقبل أكثر اشراقًا للأجيال القادمة.