الرقص مع الأعطال الفنية…أزمة الكهرباء بين المراوغة والوعود الكاذبة
كتب: مصطفى نصار
غلق المحلات وقطع غير منتظم…في وحل أزمة الكهرباء
اليوم، عاد القلق للشارع المصري إثر الخوف من عودة أزمة الكهرباء بشكلها السابق قبيل يوم 24 يوليو الماضي، ولكن السلطة تبدو أنها نقلت قواعد الأزمة لمنطقة أخرى من التبريرات تحت مسمى “الأعطال الفنية” التي تعد مبرر خفيف الوقع على المرء، أخف من أزمة الكهرباء أو تخفيف الأحمال.
وعادت الأزمة بالفعل وسط شكاوى عديدة وموجهة بالأساس ضد أزمة الكهرباء؛ ففي مناطق في مدن مثل أسوان وإسكندرية والقاهرة كذلك، انقطع التيار بين ساعتين وخمس ساعات.
فيما يطرح أسئلة تتعلق بمدى المصداقية بالسلطة والأهم من ذلك تحديد موعد دقيق لنهاية الأزمة.
تتمثل دلالة أخرى لعدم انتهاء الأزمة، وهي عدم إلغاء الحكومة لقرار غلق المحلات عند العاشرة مساءً لترشيد الاستهلاك؛ مما نتج خسارة فادحة مالية لأصحاب محال وإغلاق أخرى لإفلاسها أو عدم تربح مبلغ يسد الرمق، الأمر الذي جعل الصحافية الأمريكية في مكتب نيويورك تايمز بالقاهرة “سوزان فلايكمر” تعتبر هذا القرار من أسباب انتشار الاكتئاب في مصر لإنه عاقبة من عواقب الأزمة الاقتصادية.
ولنقص الدولار؛ اضطرت الحكومة المصرية لبدء أزمة الكهرباء منذ عام وربع، بعد عدم القدرة على شراء الشحنات المطلوبة من الغاز والمازوت اللازم لتشغيل المحطات.
كذلك تأتي عقبات هذا القرار عقب إعلان وزارة البترول عن شراء 32 شحنة من الغاز والبترول من ليبيا، بعد انقطاع إمدادات دولة الاحتلال الإسرائيلي عن مصر، ودمار حقل ظهر الذى تباهى به الرئيس السيسي ووصفه بجملته الشهيرة “احنا جبنا جون يا مصريين”، وذلك في يوليو 2018.
ولا تبدو للأزمة سواء بانتهائها أو بدئها في المخيلة الرسمية آفاق؛ إذ لا تستطيع السلطة مصارحة الناس بعودتها، ليس لاهتمامها بما يعانيه الناس من آثار الأزمة الاقتصادية، بل من شدة ردة فعلهم غير المتوقعة تحت بركان ينتظر الانفجار في أي لحظة؛ فتلجأ للرقص معهم وإلهائهم بحيل مؤقتة مثل الأعطال الفنية أو التصليح على مستوى الشارع.
أزمة الكهرباء… أبحث عن الصفقات المشبوهة
منذ إعلان الحكومة المصرية عن خطة تخفيف الأحمال منذ مايو 2023، والأزمة تتفاقم حتى ظهرت بضعة أسئلة حول صفقة الغاز المبرمة في العام 2018، وحول هدف مصر الإقليمي في الغاز لتحقيق الإكتفاء الذاتي.
ولأغراض خارجية، عقدت مصر صفقة الغاز المشبوهة في أبريل 2018، وبموجبها تسلم مصر حقلي ليفاثان وأفرودييت لبلدي قبرص واليونان.
وبعد ذلك بالطبع استغلت إسرائيل الموقف وعقدت اتفاقية ثلاثية مع قبرص واليونان حتى تسنح لها الفرصة بالاستيلاء على مفاتيح الطاقة المصرية التي تعد حق أصيل وذا عمق في الاقتصاد المصري.
وبعدها بشهر وبالتحديد في يونيو 2018 عقدت مصر الاتفاقية الثانية التي تؤكد بموجبها أن مصر ستتحول فقط لمجرد مركز تسييل دولي مركزه إسرائيل ومصبه أوربا.
ولم يتفاجأ الناس أن رئيس وزراء الكيان بنفسه قد احتفى بتلك الاتفاقية التي أعد يوم إبرامها يوم عيد وستعنش الكيان اقتصاديًا.
ومن تلك الأوهام المسيطرة على السياسة المصرية اعتمادها الكلي أو شبه الكامل على التطبيع في ملفي الطاقة والأسلحة بشكل حميم كأن الكيان اللقيط حلم لتلك الأنظمة المتعقبة.
وهذا يعطي فكرة عن عدم الاهتمام من الأصل بفكرة الأمن القومي بمنتهى اليسر، وعمليًا، لإعطائك كارت الطاقة والغاز بوجه التحديد والتي اشتعلت من أجلها حروب كحرب القرم في خمسينيات القرن المنصرم.
من المضحكات المبكيات في تلك الأزمة الأخيرة اعتمادنا كدولة كبيرة ومواردها متعددة متشعبة على مصدر واحهو الغاز و المواد البترولية، وهذا مصدر مكلف إذا قورن بالمصادر الأخرى والكثيرة وأكثرها وضوحًا هنا هي الشمس.
وتكلف المواد البترولية والغاز حوالي 3 دولارات للوحدة، بينما تكلف الوحدة الشمسية حوالي نصف دولار، وهي أكثر الأشكال حفاظًا على البيئة واستدامة وفقًا لمعايير الأمم المتحدة، وهذا ما جعل الباحثين المصريين في مجال الطاقة يستعجبون مثل الدكتور “محمد أحمد علي” الأستاذ في الجامعة الإسلامية في ماليزيا.
وهنا يُطرح سؤالًا جوهريًا فيما يتعلق بمعنى الأمن والأمان والأمن القومي والاستقرار الداخلي…
وفقًا للباحث الأمريكي “جوزيف نور” في كتابه المميز تعريف الأمن القومي مدخل بيني، فإن الأمن القومي يتصل بكل شيء يتصل بأساس تكوين الدولة مثل الغذاء والدواء والطاقة والماء والخدمات المناسبة كالتعليم والصحة، أي كل ما يتصل بالحياة اليومية أو السياسات العامة أمن قومي.
ولكن الأمن القومي المحصور هنا هو أمن النظام والمنطقة كلها لتبقى منطقة ثابتة يقطنها مجموعة من الجهلة والحمقى وفي بعض الأحيان الجواسيس.
وبالعودة للصفقة المشبوهة في ضوء تعريف “بورم” للأمن القومي؛ فإن الحكومة المصرية فرطت في أمن الطاقة في يد أحقر كيان وجد على سطح الأرض، كيان عدو وعدائنا معه ليس وليد اللحظة أو البارحة.
فالتفريط في الأمن القومي تحت ذريعة الحفاظ عليه استخفاف واستنكار لمعنى الدولة من الأساس، وهذا له توابع كارثية ـسميها كما تشاءـ. والتوابع الكارثية نهايتها بنهاية إما الدولة بمعناها السطحي أو الواسع العميق.
وللمفارقة، كميات الغاز المستهلكة تبلغ 678 مليار كم² وبالكاد تكفي الدولة بأكملها، وبالتالي خصم حوالي 134 مليار كم² من الغاز سيزيد الأزمة.
ومن المرجح عدم انتهاء الأزمة قريبًا غير بعد ترميم الحقل الخرب والذى سيأخذ مدة من بين السنة والثلاث سنوات وفقًا لأغلب خبراء الطاقة في الكيان اللقيط.
تعرف أيضا علي…الكهرباء عصب التنمية الاقتصادية
كعب أخيل للدولة…عواقب أزمة الكهرباء
تعد الكهرباء من أهم الانجازات والاكتشافات الحديثة؛ فبها عرف العالم كله معنى الأجهزة الكهربائية وتطور العمل بسرعة صاروخية، حتى قيل أن عصور ما قبل الكهرباء ليست كما بعدها، ونحن نعيش في عالم مستقر بمدى اعتماده على الكهرباء من أول المكواة مرورًا بالأعمال المنزلية من كوي وتجميد وتبريد و ترفيه.
وبوصف الكاتب البريطاني “إدي يونغ” أن الكهرباء عمود من أعمدة الحياة في العالم.
ولا يتعلق الأمر بمجرد التبريد، بل يتخطى لموضوع الاستقرار النفسي والاجتماعي والأسري؛ فإن مجتمع بلا كهرباء هو مجتمع مفكك متهالك متنازع عصبي يحتاج لمصدر يستند إليه الاستقرار الإنساني.
عطفًا على ذلك، ترتبط الكهرباء بالعديد من المصالح الحكومية اليوم والأعمال البسيطة مثل التبريد والعمل الحر اليوم ومكينات التصوير.
فتجاهل الدولة لمثل هذه الأزمة كونها مشارك في صفقات مشبوهة يجعلها قيد الانهيار بسبب تلك الأزمة التي لم تقطع فقط رزق أناس كثر، بل إنها تقتل من 4 : 8 أشخاص بسبب الاختناق أو عدم التوازن في المصاعد لمحاولة إنقاذ أطفال أو أمهات حوامل قد لا تتحمل، غير عدد الوافيات في المستشفيات ومعاناة جلة للطلاب خاصةً طلاب الثانوية العامة.
فكما أن غزة تحولت لكعب أخيل خارجيًا، فأزمة الكهرباء والتوسع بها وعدم مراعاة الشعب بصفته مجموعة من العناصر يهدد بفناء الدولة عاجلًا أم آجلًا.
وأي حلول مقترحة دون وضع الأساس السياسي لها قيد الاعتبار هي كمن يحوم في دائرة ولا يقترب لمخرجها قيد أنملة.
فتعدد أبعاد أزمة الكهرباء
واتصالها المباشر بحياة الناس اليومية يخير الدولة بين حلولها التقليدية من قمع وقهر وإسكات، وحل جذري بإنهاء ووضع حد للمعاهدات المشبوهة والصفقات الناهبة من طرف واحد لا نعرف إلا أنه يريد أراضينا من أجل تحقيق خرافة توراتية.
وأي انقطاع قد يؤتي أكله والحرب في غزة مستمرة تحت معادلة صفرية تقتضي بعدم ترك اختيار للاحتلال إلا بإبادة غزة عن بكرة أبيها؟!
فالكيان لا يريد من الحرب في غزة إلا أن يستلم أسراه -على حد قولهم-، وأما بالنسبة لمصر فهي ومع كل الأسف مسيطر عليها بالكامل من قبيله في ملفات الطاقة والماء والأسلحة وتحديدًا البحرية منها.
والرؤية المطروحة مؤخرًا من الدولة بإغلاق المحلات بحلول الساعة العشرة هي حلول مؤقتة إن أحسنا الظن، لكن في الواقع لا تجيد الخطط السريعة فائدة إلا بدراسات جدوى مطولة ترسم نتائج ودلالات وعواقب وتدرس المدخلات والمخرجات والإيجابيات والسلبيات.
وكلنا نتذكر منهاج الدولة في المشاريع العملاقة التي أهدرت موارد الدولة النقدية وأوقعتها في أزمة ديون جعلتها على شفا إفلاس غير معلن.
وأزمة انقطاع التيار قد كشفت ملفات عديدة أهمها أن الفشل الاقتصادي والانهيار الاجتماعي رافد طبيعي لموت السياسة وركودها. فحتى على مستوى المصالح، اعتماد أي سياسة أحدية الجانب وظالمة لا يستمر طويلًا إلا إن كان مدعومًا من قوى إقليمية، أي تصبح السياسة هنا مجرد سياسة انهزامية منبطحة لا تعرف إلا الحلول التقليدية إن أحسنت التفكير فيها من الأساس.
حل الأزمة في يد المجتمع الضعيف…في هدم مغالطة الخوف والعبودية المختارة
في كتاب العبودية المختارة، يطرح المفكر والقاضي الفرنسي “إتيان دو لابوسي” إشكالية أطلق عليها المواطن المستقر، وهو مواطن ثابت أجوف لا يتغير سهل التكيف سريع الذوبان، مهما بلغت الأوضاع من السوء أشده والكي أنكاه تحت ذرائع واهية أهمها الحفاظ على الذات وتربية الأولاد وخلاف ذلك من الأقاويل.
ولعل أكثر الأشكال شمولًا التى قصدها “لابوسي” هي المجتمعات الاستبدادية والمنفصلة عن الدين إما كليًا أو جزئيًا مثل مجتمعنا الميمون.
يرتكز هدم الاستبداد السياسي هنا على إزالة الخوف بالتكاتف والتشجيع؛ فكما أن للاستبداد قشرة صلبة تبدو عصية على الكسر إلا أنها جوفاء وخاوية على عروشها؛ لاعتمادها على معادلة الخوف من الموت وتغذيتها المستمرة من وسائل أفردها الفيلسوف المصري “إمام عبد الفتاح” في كتابه الطاغية بزيادة الدماء المراقة أو الأزمات المتتبعة والمتسارعة حتي يتمحور الفرد حول ذاته وعائلته فحسب.
فالحل في العبودية الكاملة لله عز وجل، لوقوع العبد بين حرفي اسم الجبار والرحيم والقدير، والأخذ بالأسباب مع معرفة أن مصيره وحياته كلها له المنتقم والعادل؛ فرفع الظلم يعتمد بالكلية على إتباع آية “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”.