كتبت: أسماء أشرف
بعد مرور أكثر من عام على حرب الإبادة الحالية، وتوسع الدمار ليطال كل شبر من أرض غزة، بعد أكثر من عام من الإبادة والتجويع وانتشار الأوبئة، بعد أكثر من عام من الغطرسة الصهيونية والتبجح الأمريكي والخذلان العربي.
اليوم وبعد وصول عدد الضحايا لما يقارب 43764 شهيد، 103498 جريح…
يتجلى تساؤل، بأن كيف يرى الإنسان دماء إخوته ولا يحرك ساكنًا…كيف يغض الطرف عن شلالات من الدماء ويصم آذانه عن صرخاتٍ لأمهاتٍ مكلومة وأنين لبطون جائعة خاوية؟!
في البداية، يُعرف تبلد المشاعر بأنه حالة من فقدان الإحساس أو بالأحرى عدم المقدرة على الشعور بالحزن أو الفرح تجاه أيًا من مسبباتهم؛ مما يولد أشخاصًا سلبيين مغلفين بطبقاتٍ سميكة من اللامبالاة والحيادية.
ولكن هنا تختلف الأمور كليًا؛ حيث إننا في هذه الإبادة نواجه حالة غير مسبوقة من الظلم والقتل لا يمكن معها ممارسة أى فعل يدل على الاعتياد أو يصاحبه أي شكل من أشكال التبلد بالمشاعر، حيث هنا تعد هذه الممارسات المسكنة للضمائر والمثبطة للإنسانية، شكلًا من أشكال الخيانة وجريمة أخرى تُرتكب بحق إخواننا من الضحايا المستضعفين.
هل الاعتياد خيانة؟
وما يجعل الاعتياد يُدرج ضمن الجرائم العديدة المرتكبة بحق إخواننا في غزة، هو إنه يعمل على تثبيط انفعالات الشخص تجاه كل الأحداث، أو إنه يعمل على تخفيف حدة المشاهد والتهوين من قدر الإبادة الحاصلة؛ مما يدفع الأشخاص للتقليل التدريجي في ردود أفعالهم الداعمة والمناصرة إلى أن تختفي هذه الردود تمامًا؛ فيتحول معها الشخص من مؤثر وفاعل -مقاطع، متبرع، متحدث، متألم- إلى مفعول به لا مبالي تحركه أجندات صهيونية وتستثيره مباريات كرة قدم أكثر مما تفعل المجازر والجثامين المقطعة.
وهذا بالضبط ما يعمل عليه ويريده الصهاينة؛ حيث إنهم يقومون بضربات إبادية ممنهجة تعمل على تقليل السخط وحدة الانفعال لدى الشعوب، فمثلًا يقومون باستهداف إحدى مستشفيات القطاع فيدمروها كليًا ويردوا من بداخلها من المرضى والنازحين بين قتلى وجرحى يقدر عددهم بالمئات -لنقل مثلًا حوالى 500 شهيد-؛ فتغضب معها الشعوب وتحتشد في مظاهرات منددة بما حدث مطالبة بوقف الإبادة.
وبعد تعافي الشعوب من هذه الضربة السادية، يعود الاحتلال مرة أخرى ليسدد ضربة أخرى، ولكن هذه المرة أقل حدة وأقل ضحايا من سابقتها، فهنا أيضًا تغضب الشعوب ولكن بصورة أقل من السابق؛ فبدلًا من أن تخرج في مظاهرات منددة، تكتفي فقط بالشجب والاستنكار عبر الوسائل الالكترونية، نظرًا لمحدودية أعداد الشهداء والمصابين هذه المرة!
وهكذا في كل مرة، تقل حدة الغضب والاستنكار حتى تتلاشى نهائيًا، ومع تلاشيها تستعيد الضربات حدتها من جديد، ولكن هذه المرة يصاحبها شبه إنعدام لردود الفعل الشعبية.
هذا بالضبط ما تعمل عليه العصابات الصهيونية، وهو أن يصبح للفلسطيني حد أدنى لاستثارة مشاعر وغضب الشعوب، وإن قل موته عن هذا الحد فيكون أمرًا عاديًا لا يستحق الغضب أو حتى رفع الأصوات لمجرد الاستنكار.
تعرف أيضًا على: دماء منسية…الحرب فى السودان فى ظل التعتيم الإعلامي
ومن الواجب على كل فرد إدراكه هنا، أن جميع الدماء البريئة المسالة تستحق الغضب والمطالبة دون كلل بإيقافها، تستحق هذه الدماء وقف جريانها مهما كان عدد ضحاياها، تستحق هذه الدماء منا ألا نعتاد مناظر اراقتها ومشاهد ذبح أصحابها، تستحق منا أن نثور لأجلها ونعمل على إيقافها مهما تطلب الأمر، فهذه الدماء هى دماء إخواننا التي تستصرخنا ألا نضعها موضع الماء فيصبح جريانها عاديًا، ما يجب علينا إدراكه هنا، أن دماء إخواننا هي أغلى من أن نعتاد مشاهد اراقتها وأثمن من أن تجري وكأنها مياه موبوءة لا حرمة لها ولا ثمن.
تابعنا أيضًا على: