مقالات

أحرق نفسك من أجل الشركة…كيف تسحقك الوظيفة سحقًا جسيمًا؟!

كتب: مصطفى نصار

مرحبًا بك فى عالم الوظائف الحديثة…احتراق نفسي واجتهاد وعافية مزيفة.

أنت الآن ترتدي ملابسك العادية لتذهب لوظيفتك، إن كانت تلك الوظيفة بحق، وتعمل حتى ينتهى دوامك المعتاد وروتينك اليومي، وبعد ذلك تعود للمنزل لتجد نفسك مجهدًا مستنزفًا، فتنام لتعاود تلك الدائرة المفرغة مرة أخرى بلا توقف.

 

فتكرر العملية لعدد من الأشهر المعينة، وتحاول جاهدًا أن ترصد الآثار الواقعة عليك لتصعق بالإضافة إلى تغييرك للأسوء فإنك لن تعود كما أنت من قبل، والسبب هنا معلوم ولكنك لا تعرفه بالطبع لإنك جربت بالفعل الآثار والآفاق الرامية إليه دون عودة لحالة العافية التى كنت تتمناها قبيل ذلك.

 

باختصار شديد، لقد احترقت نفسيًا ووظيفيًا، ولكن لعلك الآن تطرح سؤالًا جوهريًا وهو لِمَ؟!

 

ويجيب عالم الاجتماع الاشتراكي “بوب بلاك” فإن كره العمل يؤيده الإحتراق الوظيفي لما يعينه من قلة الإنتاجية الناجمة عن هيكل مصمم من الوظائف الحديثة منتهية الخبث فى التصميم لإعتصارك عصرًا كما الليمون.

 

ولإيضاح صورة بلاك، فإن الدراسات تفيد بأن الموظف فى الشركات أو العمال اليوميين يتلقون راتبًا زهيدًا يقل عن عملهم بمدى يناهز ٣٠%، أي أن العامل والموظف يتقلى ثلث حقه الطبيعي والمحتوم وفقًا لعالم الاجتماع والناقد الأدبي الكبير “تيري ايجتلون”.

 

وبالتأكيد يقدم العمل الحديث إغراءات ومميزات تثبيتية تقبلية حتى لا يتحجج العامل أو الموظف بأشياء هى حقه المنطقي بمعايير رأسمالية بحتة.

ومن أشهر تلك الإدعاءات المعروفة هى إثبات الذات وتحقيق الإستقرار، وتقتضي بأن الفرد هو السبب فى إثبات ذاته عبر عمله، ومن ثم تمكنه من السير الطبيعي لإكمال حياته وتحقيق استقراره المنشود.

 

تعرف أيضا علي…العنف الجامعي ..ظاهرة تهدد مستقبل التعليم

ولكن هذا يواجه العديد من التساؤلات، وأبسطها هى مفاهيم الإستقرار والذات وإكمال الحياة، فيترك مؤرخو هذا الخطاب المفاهيم عائمة دون تدقيق أو تمحيص قاصدين بذلك عدم فهم المتلقي وتضليله.

 

ونقيضًا لما يقول “ديفيد هارفي” فى كتابه حالة ما بعد الحداثة، فإن المفاهيم غير المحددة عدم انضباط يرتقي لدرجة الجريمة المنسية والمخيفة؛ فالسيولة فى المفاهيم والمصطلحات يخلف تخبطًا وانهيارًا بطئيًا لما ينتج عنه من إرساء قواعد النسبية المعرفية. وبشكل أكثر شمولًا، يخلف التسيب للمفاهيم هدم للمنطق من الأصل ويترك مجتمعًا تأكله إما المادية القاهرة أو الأحقاد المتبادلة التى لن تنتهي غير بتقويض أسس الاجتماع الإنساني.

 

الإنهيار الطائف للنفس والأسرة …أعراض الإحتراق الوظيفي الكارثية

 

تتعدد أعراض الإحتراق الوظيفي بين النفسي والأسري والاجتماعي و الإدراكي؛ فهو غير مقتصر على جانب معين دون الآخر فيشمل شوامل الجوانب وهوامل تفاصيل الحياة اليومية.

 

– وبالنسبة للجانب الأسري والعاطفي، فإن الإحتراق الوظيفي يسهم فى خلق الصراعات من أبسط وأتفه الأسباب وعدم قيام الأسرة بدورها الطبيعي كنواة لبناء المجتمع، ونقل الأسرة من حالة الاجتماع لحالة التفكك و التفتت الكفيل بتدمير أجيال بأكملها.

 

ويسود عند الاحتراق الوظيفي فى النفس والعواطف حالة من اختفاء الشعور بالمرح والفرح، بل وحتى التعب والاجتهاد وفقدان القدرة، وقد يؤدي للاكتئاب والانتحار.

وهو ما يلفت النظر فى دراسة “إميلي أولي”، إن الإحتراق الوظيفي يُفقد المعنى والغاية من الحياة.

 

أما الإدراك، فإنه يؤدي بالصدمة الإدراكية التى تتعرض وتعرض حالة من التدهور الإدراكي من نسيان متكرر وتدمير متعمد لعدم قدرة العقل على التحمل والإنتاج، و لهذا يخبرنا عالم الأعصاب والفيلسوف “فيليب دي بوجراند” أن هذا النسيان غير ناجم إلا عن سطحية فى العمل واحتراق ودمار سيكوإدراكي.

 

ولابد من ممانعة ذلك عبر عدة طرق عن طريق التوازن بين العمل والحياة لتدرك بعدها أنك لن تضحى بحياتك من أجل بعض الأموال وكثير من الأمراض، كما يقول الباحث والمؤرخ السياسي “ايريك هويزناوم”.

 

تابعنا أيضا علي…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock